نام کتاب : أسرار ما بعد الموت نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 81
وبذلك فإن هذه الرؤية كانت ترى أن التغيرات
المادية هي التي تسبب الأفكار، لا العكس، كما عبر عن ذلك [و.ك كليفورد]، أحد علماء
الرياضيات في القرن التاسع عشر، في محاضرة له عن العلوم عن هذه الفكرة بإيجاز بليغ،
فقال: (إذا قال أحد أن الإرادة تؤثر في المادة فقوله ليس كاذباً فحسب، وإنما هو
هراء)[1]
وهكذا وصف هكسلي العلاقة بين العقل
والجسد بقوله: (يبدو أن الوعي متصل بآليات الجسم كنتيجة ثانوية لعمل الجسم، لا
أكثر، وأن ليس له أي قدره كانت على تعديل عمل الجسم مثلما يلازم صفير البخار حركة
القاطرة دونما تأثيرعلى آليتها) [2]
ومن تلك المفاهيم والمستلزمات لذلك التصور
المادي للعقل ـ وفقا للنظرة القديمة ـ ما يرتبط بموضوعنا، وهو (أنه لاشيء في
الإنسان يمكن أن يبقى بعد الموت، ذلك أنه إذا كان التفكير والإرادة نشاطين من
أنشطة الدماغ، فليس هناك سبب يجعلنا نفترض أن هذين النشاطين يمكن أن يستمرا بعد
فناء الدماغ، وإذا كان كل جزء من أجزاء الإنسان مادة فلابد من أن يكون كل جزء منه
عرضه للفناء. ففي النظرة القديمة لاخلود إلا للمادة) [3]
ولكن مع كل هذه الادعاءات، لم يستطع أحد
في القرن التاسع عشر أن يحدد بالضبط كيفية انبثاق العقل من المادة، بل كان علماء
الفسيولوجيا يتوقعون أن يأتي المستقبل بالجواب.
وقد كتب هكسلي عام 1886 يقول: (وهكذا
سيوسع علم وظائف الأعضاء في المستقبل شيئا فشيئا من عالم المادة وقوانينها إلى أن
يصبح مساويا في امتداده نطاق المعرفة والشعور والعمل) [4].. لكن نبوءاته لم تتحقق، بل تحقق عكسها كما سنرى.