في أي حال من الأحوال.. وقد قلت في كلماتك
المقدسة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]
يا رب.. وكما أنزهك عن البعد والمكان.. أنزهك
عن الحلول والاتحاد، فقربك من خلقك لا يعني مماستك لهم، ولا مماستهم لك.. ولا كونك
جزءا منهم.. ولا كونهم جزءا منك.. فتعاليت أن يكون فيك شيء من خلقك، أو يكون فيهم
شيء منك.. وقد قلت في كلماتك المقدسة تعتب على المشركين: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ
عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} [الزخرف: 15]
يا رب.. وأنا أسلم لك بذلك كله.. ولا أدع
لعقلي ولا لوهمي ولا لكشفي ولا لخيالي أن يتصرف في فهم حقيقة ذلك.. فأنت أجل من أن
تحد بفهومنا، أو تحيط بك عقولنا، أو يصل إلى جلالك كشفنا..
ولذلك حسبنا من معرفة قربك أن نذوقه ونعيشه
ونؤمن به ونسلم له.. ونشعر أنك معنا كما ذكرت.. ثم نسعى بعد ذلك لأن نكون معك..
ونصل إليك، ونتواصل معك..
فالقرب منك يا رب.. ليس قرب أجسام وإنما قرب
معارف ووصال.. فمن عرفك، وتواصل معك، وصرت أنيسه وجليسه، وملأت قلبه بحبك، كان الأقرب
إليك، والداني منك.
يا رب.. لقد جمعت في كلماتك المقدسة بين قربك
وإجابتك، فقلت: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ
دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]، وقلت ـ على لسان بعض أنبيائك ـ: {فَاسْتَغْفِرُوهُ
ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ } [هود: 61]
يا رب.. ما أجمل هذه الكلمات.. وما أجمل
المعاني التي تحويها.. فقربك منا ليس