يا رب.. لقد كان عبدك الصالح بلال أسود شديد
السواد.. وكان المشركون يسخرون من سواده.. لكن قلبه الممتلئ بتوحيدك كان أعذب من
الزهور، وأرق من النسيم، وأحلى من كل ألوان الحلاوة، وأجمل من كل ملوك الجمال..
وقد ذهب المشركون الذين رموه في
الصحراء، ووضعوا على صدره الصخرة.. وذهب معهم إلى دارك الأبدية.. وهم الآن لا
يحلمون برؤية جماله الذي تبدى بعد أن كان مستورا، وظهر بعد أن كان خفيا..
أما جمالهم الذي كانوا يزدهون به،
ويفخرون، فقد طغت عليه دمامة أرواحهم، وقذارة نفوسهم؛ فتحول إلى مستنقع آسن مملوء
بكل ألوان الكدورة.
يا رب .. فاجعل الجمال الذي يهفوا إليه
قلبي جمال بلال.. ذلك الجمال الذي لا نزال نراه في دينه وأخلاقه وسموه وروحانيته
وتضحيته.. وهو الذي تجلى بعد ذلك في صورته الجميلة التي دخل بها عالم البرزخ،
وسيدخل بها ما بعده من العوالم.
لقد ذكرت ذلك يا رب في كلماتك المقدسة،
فقلت تعزي أولئك الذين رماهم الخلق بالدمامة، وضحكوا على صورهم، وسخروا منها، ولم
يعلموا أنها اختبار لهم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ
مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا
قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)} [عبس: 38 - 40]
وقلت تعزيهم، وتملأ قلوبهم بالأمل في
الصور الجميلة التي تنسجم مع أرواحهم وطيبتهم وأخلاقهم: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ
وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ