ولذلك كانت
كلماتك سيدي مدرسة في تعليم الأدب والحكمة، يحفظها الأدباء، ويتدربون بها على
الحكمة والتعبير عنها، وقد قال ابن نباته – وهو صاحب الخطب المشهورة -: (حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده
الإنفاق إلاّ سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب)[2]
وقال الجاحظ – وهو أشهر الأدباء على الإطلاق– في وصف
مائة كلمة جمعها من كلامك: (إن لأمير المؤمنين مائة كلمة، كل كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام
العرب)[3]
وقال ـ
تعليقا على قولك(قيمة كل امرئ ما يحسنه) ـ: (فلو لم نقف في هذا الكتاب إلاّ على
هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية، ومجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية،
وغير مقصرة عن الغاية، وأحسن الكلام ما كان قليله يغني عن كثيره، ومعناه في ظاهر
لفظه، وكأن الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من الحكمة على حسب نية صاحبه،
وتقوى قائله، فإذا كان شريفا، واللفظ بليغا، وكان صحيح الطبع، بعيدا عن الاستكراه،
ومنزها عن الاختلال، مصونا عن التكلف، صنع في القلب صنع الغيث في التربة الكريمة،
ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة، أصحبها الله من
التوفيق ومنحها من التأييد ما لا يمتنع عن تعظيمها صدور الجبابرة، ولا يذهل عن
فهمها عقول الجهلة)[4]