لقد كنت تقول
لهم هذا وغيره.. ولا أزال أذكر ذلك
الموقف الذي أحترق كلما ذكرته، وينشق قلبي حزنا كلما خطر على بالي.. موقفك من (التحكيم) في صفّين، حين لاحت
علامات النصر، ولم يبق بينك وبين هزيمة البغاة إلا القليل.. حينها دبر الشيطان
للفئة الباغية حيلة التحكيم.. ورفع أصحاب معاوية المصاحف على الرماح داعين إلى
كتاب الله.
في ذلك الحين رأيت أنت والثلة الصادقة معك أن تستمر الحرب، خاصة وأن الأشتر
كان على مقربة من موقع معاوية.. لكن بعض من كان معك ممن لم يعرفوا منزلتك، خدعتهم
تلك الحيلة.. فحاولت إقناعهم بكل ما أوتيت من حجج.. لكن الشيطان لعب بعقولهم..
وأصروا على مخالفتك.
حينها لم تملك إلا أن تتنازل لهم، لا قناعة بما قالوا.. وإنما رعاية
لمبادئك التي تجعلك خاضعا لها حتى لو وقفت في وجه مصالحك..
لقد فعلت
معهم مثلما فعل هارون عليه السلام عندما غلب على أمره مع بني إسرائيل الذين أبوا
طاعتك، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَاقَوْمِ
إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي
وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى
يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ
ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا
تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ
بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94)} [طه: 90 - 94]
لقد ذكر
الحادثة بعض من حضرها، فقال: (كنت عنده حين بعث إلى الأشتر أن