فليت الذين يعبسون في وجه الناس ويقطبون أن يلتفتوا لهذه السنة فيحيوها، فهي أكبر أثرا وأصح نقلا، وأعظم أجرا من كثير من سنن الأكل والشرب واللباس.
ولم تكن هذه السنة كذلك من السنن الفعلية التي قد يختلف في تفسيرها أو يقال بتخصيصها أو يعتقد جبليتها، وإنما وردت بها الأحاديث الكثيرة العامة والصريحة، فاعتبرت طلاقة الوجه من المعروف، قال a :( لا يحقرن أحدكم شيئا من المعروف، وإن لم يجد فليلق أخاه بوجه طليق، وإن اشتريت لحما أو طبخت قدرا فأكثر مرقته واغرف لجارك منه)[768]
واعتبرت من الصدقات، بل قرنت مع أصول للدين، قال a: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة،وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)[769]
وجمعه a بين هذه الخصال جميعا يدل على أن هناك علاقة بينها جميعا، وكأنه a يقول: ليس الكمال أن تفعل الخير، ولكن الكمال أن تفعله، وأنت منشرح الصدر منطلق الأسارير، فإذا أمرت بالمعروف أو نهيت عن المنكر أو أرشدت الضال أو فعلت الخير مما ذكر، فافعله مبتسما لا ضجرا، لأن ضجرك سيرفع ثواب عملك، بل يحيل خيريته شرا وحلاوته مرا.
وقد كان a لا يخص هذا السلوك من اشتد في الدين عوده، بل كان يبدأ به من دخل في الإسلام لتوه، فعن بعضهم أنه أتى رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم،فقال: أنت رسول الله، أو قال: أنت محمد فقال:
[767] الترمذي: 5/601، أحمد: 4/191، شعب الإيمان: 6/251.