وأول مصدر
يعمق هذه المعاني التوحيدية في النفس هو القرآن الكريم، فبالقراءة الواعية له نجده
يربط بين مقتضيات التوحيد جميعا، فلا يقصر تأثير التوحيد على بعضها، فيظل العبد
موحدا لله في جانب مشركا به في جانب آخر.
وقد نقل سيد
قطب بعض النماذج عن ربط القرآن الكريم بين عقيدة التوحيد وبين مقتضياتها في الحياة
جميعا، ومن الأمثلة التي ذكرها ما ورد في سورة البقرة من قوله تعالى: ﴿
وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾(البقرة:
163)، فقد بدأ تعالى بتقرير وحدانية الله تعالى، وهي القضية التي تأتي الآيات
التالية لتبين حقيقتها ومقتضياتها.
وأول مقتضيات
هذه الوحدانية: وحدانية التدبير الإلهي للكون، وهو ما ورد في قوله تعالى: ﴿
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ
اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ
الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾
(البقرة: 164)
ومن مقتضيات
هذه المعرفة التي تجعل الله هو المتصرف الوحيد في الكون هو وحدانية التوجه إلى
الله، وأول ذلك إفراد القلب لله بالمحبة والولاء، قال تعالى: ﴿ وَمِنَ
النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ
إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ
شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ
اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ
الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا