3
ـ أن قوله: (إيّاكم أن يُخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر) ليست تكراراً
للكلام السابق، أي النهي عن الرجوع إلى الفساق، وذلك لأنه قد نهى أولاً عن الرجوع
إلى القاضي الفاسق في الأمور المتعلقة به من التحقيق، وإقامة البيّنة، وأمثال ذلك،
وأوضح وظيفة اتباع القاضي الذي عينه، ثم منع بعد ذلك من الرجوع إلى السلاطين
أيضاً، مما يدل على أن باب القضاء غير باب الرجوع إلى السلاطين، وأنهما صنفان. وفي
رواية عمر بن حنظلة حيث نهى عن التحاكم إلى السلاطين والقضاة أشار إلى كلا
الصنفين، غاية الأمر أنه هنا إنما عين القاضي فقط، بينما في رواية عمر بن حنظلة
عين الحاكم المنفذ والقاضي كلاهما.
4
ـ أن الإمام الصادق جعل منصب القضاء في حياته للفقهاء ـ وفقاً لهذه الرواية ـ
بينما جعل لهم منصب القضاء والرئاسة وفقاً لرواية عمر بن حنظلة.
5
ـ لا يمكن لأحد أن يقول باعتزال الفقهاء عن هذه المناصب بموت الإمام؛ ففي انظمة
الدنيا جميعا لا تلغي المناصب والمراكز العسكرية والتنظيمية بمجرد وفاة رئيس
الجمهورية أو السلطان، أو تبديل الأوضاع وتغيير النظام.
6
ـ بناء على ما سبق؛ فإن مناصب العلماء باقية مستمرة، وكذلك مقام الرئاسة والقضاء
الذي عيَّنه الائمة لفقهاء الإسلام، فهو مستمر وباق؛ فالإمام يعرف أنه في حكومات
الدنيا تبقى المناصب مستمرة حتى لو مات الرئيس؛ فلو كان يريد سلب حق الرئاسة
والقضاء من الفقهاء بعد وفاته لكان يجب أن يعلن أن ذلك المنصب للفقهاء إنما كان
فترة حياته فحسب، وأنهم بعد رحيله معزولون؛ فظهر إذن أن الفقهاء منصوبون من قبل
الإمام لمنصب الحكومة والقضاء، وأن هذا المنصب لهم باق دائماً، واحتمال كون الإمام
المتأخر قد نقض هذا الحكم، وعزلهم عن ذلك المنصب، احتمال باطل. إذ عندما ينهى
الإمام عن الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم، ويقول أن الرجوع اليهم رجوع إلى
الطاغوت، ويتمسك بالآية