واعتبر
الإعراض عن دين الله ورسالة الأنبياء إنما ينشأ من حالة انحراف نفسي يطلق عليه (سفاهة)،
فقال:﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ
نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ
الصَّالِحِينَ (130)﴾ (البقرة)
وبناء
على ذلك كله، فإن الله تعالى ـ كما ينصر من يجاهدون أعداءهم وظالميهم ـ ينصر من
يجاهدون أنفسهم في سبيله لتهذيبها وتربيتها، وقد ورد في الحديث القدسي، يقول الله
عزّ وجلّ: (وعزّتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوّي، لا يؤثر عبد هواه على
هواي إلا شتتّ أمره، ولبّست عليه دنياه، وشغلت قلبه بها، ولم أوته منها إلا ما
قدّرت له، وعزتي وجلالي وعظمتي وكبريائي ونوري وعلوّي، لا يؤثر عبد هواي على هواه
إلا استحفظته ملائكتي، وكفلت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل
تاجر، وأتته الدنيا وهي راغمة)([934])
وقال
رسول الله a: (حُفّت الجنة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات، واعلموا أنه ما من طاعة
الله شيء إلا يأتي في كُره، وما من معصية الله شيء إلا يأتي في شهوة، فرحم الله
رجلا نزع عن شهوته، وقمع هوى نفسه، فإنّ هذه النفس أبعد شيء منزعا، وإنها لا تزال
تنزع إلى معصية في هوى.. واعلموا عباد الله.. أنّ المؤمن لا يمسي ولا يصبح إلا
ونفسه ظنون عنده، فلا يزال زاريا عليها، ومستزيدا لها، فكونوا كالسابقين قبلكم،
والماضين