وهذا يدل على أن التسبيح والتقديس علامة نضج العقل واكتماله، لأن كل البراهين
العقلية مرشدة لذلك، ودالة عليه، ولذلك كان المشبه والمشرك وكل من يصف ربه بما لا
يليق به ممتلئا بالغفلة والغباء، حتى لو اشتهر بالعبادة والزهد والتقوى.
ومما يروى في هذا أنه وُصف للإمام الصادق
بعض الناس، وذكر له من عبادته ودينه وفضله، لكن الإمام لم يلتفت لذلك، وإنما راح
يسأل عن عقله، فقال الواصف: لا أدري، فقال الإمام: (إن الثواب على قدر العقل، إن
رجلا من بني إسرائيل كان يعبد الله في جزيرة من جزائر البحر خضراء نضرة كثيرة
الشجر ظاهرة الماء، وإن ملكا من الملائكة مر به فقال: يا رب أرني ثواب عبدك هذا
فأراه الله تعالى ذلك، فاستقله الملك فأوحى الله تعالى إليه: أن اصحبه؛ فأتاه
الملك في صورة إنسي فقال له: من أنت؟ قال: أنا رجل عابد بلغني مكانك وعبادتك في
هذا المكان فأتيتك لأعبد الله معك فكان معه يومه ذلك، فلما أصبح قال له الملك: إن
مكانك لنزه وما يصلح إلا للعبادة فقال له العابد: إن لمكاننا هذا عيبا فقال له:
وما هو؟ قال: ليس لربنا بهيمة فلو كان له حمار رعيناه في هذا الموضع فان هذا
الحشيش يضيع، فقال له [ ذلك ] الملك: وما لربك حمار، فقال: لو كان له حمار ما كان
يضيع مثل هذا الحشيش؛ فأوحى الله إلى الملك إنما اثيبه على قدر عقله) ([139])
ولهذا قال رسول الله a: (إذا بلغكم عن رجل حسن حال فانظروا في حسن عقله، فإنما يجازي
بعقله) ([140])