وقد
ذكر بعض الحكماء سر التدرج الوارد في الحديث، فقال: (نظر رسول الله a إلى
الصفات، فاستعاذ ببعضها من بعض، فإن الرضا والسخط وصفان، ثم زاد قربه فاندرج القرب
الأول فيه فرقي إلى الذات، فقال أعوذ بك منك، ثم زاد قربه بما استحيا به من
الاستعاذة على بساط القرب، فالتجأ إلى الثناء، فأثنى بقوله لا أحصي ثناء عليك، ثم
علم أن ذلك قصور، فقال أنت كما أثنيت على نفسك) ([142])
وهذه
الإشارة العرفانية تدل على الحقيقة التي ذكرها القرآن الكريم بصيغ مختلفة، ومنها
قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ [النجم: 42]،
وقوله: ﴿فَفِرُّوا إِلَى الله إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾
[الذاريات: 50]
وإليها
الإشارة بما ورد عن رسول الله a أنه قال: (إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر الله) ([143])،
وقد قال بعض الحكماء في تفسيره: (لما كانت روح النبي a لم تزل في الترقي إلى
مقامات القرب تستتبع القلب، والقلب يستتبع النفس، ولا ريب أن حركة الروح والقلب
أسرع من نهضة النفس، وكانت خطى النفس تقصر عن مداهما في العروج، فمما نهضت به
الحكمة إبطاء حركة القلب لئلا تتقطع علاقة النفس عنه، فيبقى العباد محرومين فكان a يفزع
إلى الاستغفار، لقصور النفس عن ترقي القلب)
ولذلك؛
فإن التسبيح والتقديس ـ أيها المريد الصادق ـ لا ينقطع أبدا حتى في الجنة، ذلك أن
المؤمن يكتشف فيها كل يوم قصوره في معرفة ربه، وأنه أعظم من أن يحاط به، وقد
[141] رواه أَحمد (1/
96 و18 أو 150)، وأبو داود (1427)، والنسائي (3/ 248 - 249)، وابن ماجه (1179)