نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 274
كتبت إلي ـ أيها المريد الصادق ـ تسألني عن كيفية إبداع الله تعالى
لخلقه، والمراتب التي مرت بها المبدعات، وعن علاقة ذلك بالفيض والصدور، أو بالتجلي
والظهور، وعن صحة ما يقوله الفلاسفة الإشراقيون، أو ما يقوله الصوفية المكاشفون.
وجوابا على سؤالك الوجيه أذكر لك أن حقائق الكون، وكيفية خروجه من العدم
إلى الوجود، والمراحل التي مر بها، من الغيب المطلق الذي لا يمكن للعقل مهما كان
حادّ الذكاء أن يكتشفه، ولا للروح مهما كانت شفافة أن تدركه.. لذلك كان العارف
المتواضع، والحكيم المسلم لربه، والمحترم لقدراته، هو ذلك الذي يخضع لما دلت عليه
النصوص المقدسة، ويكتفي بها عن إدخال عقله أو كشفه فيما لا طاقة لهما به.
لذلك أنصحك ـ أيها المريد الصادق ـ ابتداء بأن تترك كل ما ذكروه في هذا
الجانب؛ فهو يتعارض مع قوله تعالى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ﴾ [الكهف: 51]
فالله تعالى في الآية الكريمة يصرح بأنه لم يشهد البشر كيفية الخلق، ولم
يتخذهم أعوانا يستشيرهم في ذلك.. ولذلك بقوا على الجهل المطبق بتلك الحقائق، إلا
ما دلت عليه النصوص المقدسة.
ولذلك فإن الذين يذكرون خالقية الله تعالى للأشياء بما يسمونه فيضا أو
صدورا أو غيرها، يتوهمون أن ذلك منحصر في هذا العالم الذي نعيشه، أو في هذه
النشآت.. وبذلك يحدون قدرة الله المطلقة.. فهذا العالم مجرد واحد من العوالم
الكثيرة التي غاب عنا زمانها، كما غاب عنا مكانها.. ولذلك كان الأدب مع الله تعالى
هو التعامل مع خالقيته المطلقة التي
نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 274