نام کتاب : معارف النفس الراضية نویسنده : أبو لحية، نور الدين جلد : 1 صفحه : 291
إلا الأقوياء.. فالبقاء لهم وحدهم.. ولذلك لهم أن ينتهبوا ثروات الفقراء
المستضعفين.. ولهم أن يبيدوهم.. حتى لا يبقى في الأرض إلا الأصلح والأقوى.
وهكذا، وفي ظل هذه التصورات، كتبت المعارف المختلفة على أساس الصراع لا
على أساس السلام، وكأن الكون كله شياطين يصارع بعضها بعضا، وليست كائنات لإله
واحد، يخدم بعضها بعضا، لتحقيق غايات سامية، قد يكشف لهم على بعضها في هذا العالم،
وقد يؤجل الباقي إلى وقته المناسب.
ولهذا ينظر المؤمن إلى الكون كله كما ينظر إلى تلك المائدة التي يقدمها
له من يستضيفه، والتي يدعوه كل طبق منها إلى تناوله باحترام ولطف وأدب.. ولهذا نجد
القرآن الكريم يصور النعم التي أفاضها الله تعالى على عباده بصورة الهدايا المقدمة
على أطباق، ومعها ختم المهدي، فهو يصور ـ مثلا ـ الأرض بصورة المركب الذلول،
المحتوية على كل المنافع، فيقول:﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ
النُّشُورُ﴾ (الملك:15)
فالآية تصف الأرض بكونها ذلولا، وهذا الوصف يطلق عادة على الدابة، ليصور
في الأذهان ويغرس في العقول والقلوب (أن هذه الأرض التي نراها ثابتة مستقرة ساكنة،
هي دابة متحركة.. بل رامحة راكضة مهطعة، وهي في الوقت ذاته ذلول لا تلقي براكبها
على ظهرها، ولا تتعثر خطاها، ولا تخضه وتهزه وترهقه كالدابة غير الذلول، ثم هي
دابة حلوب مثلما هي ذلول!)([345])
بينما يصورها الجاحدون في صورة الدابة الرامحة الراكضة التي تحتاج فارسا
قويا مثل فرسان رعاة البقر ليقوم بترويض جماحها على نغمات تصفيق المعجبين.