وأسهرت لذلك ليلي، واطمأن نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها. فقال: (يا حارث عرفت فالزم) ([150])

ولهذا أمر الله تعالى رسوله a وكل مؤمن يقرأ القرآن بأن يقول: ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: 114]؛ فالعلم يولد وينتج ويثمر بحسب طهارة التربة التي يتنزل عليها، كما أشار إلى ذلك رسول الله a في قوله: (إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيثٍ أصاب أرضاً فكانت منها طائفةٌ طيبةٌ، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا. وأصاب طائفةٌ منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به)([151])

ففي هذا الحديث ذكر رسول الله a ثمرتين صالحتين، وثمرة فاسدة:

أما الثمرة الأولى، وهي أصلح الثمار وأكملها، فهي ثمرة انتفعت بالعلم انتفاعا عظيما، حيث أنبتت من غيثه الكلأ والعشب الكثير الذي انتفع به الإنسان وغير الإنسان.

وأما الثمرة الثانية، فأمسكت من الماء ما انتفع به الناس بعد ذلك في سقيهم وزرعهم.

وأما الثمرة الثالثة، فلم تنتفع بشيء.. فلم تنبت كلأ، ولم تسق عطشانا.

فالرسول a في هذا الحديث يدعوا العلماء لأن ينبتوا من علمهم الكلأ والعشب الكثير.. فلا خير في علم لا ينبت ثمرا، ولا ينمي خيرا.

[150] مصنف ابن أبي شيبة 6/170 ح(30425) المعجم الكبير للطبراني 3/266 ح(3367)

[151] رواه البخاري ومسلم.