ثم تطرق إلى الطرق
الصوفية، فجمعها جميعا في سلة واحدة، ولم يستثن أحدا منها، ولم يعترف لها بأي
منقبة، يقول: (وإن هذه الطرق المنتشرة بين المسلمين، والتي تربو على المذاهب
الفقهية عدًّا، كلها، على ما بينها من تباين الأوضاع، واختلاف الطباع، وتنافر
الأتباع، تنتسب إلى هذا التصوف. ولكنه انتساب صوري اسمي، وشتان ما بين الفرع
وأصله. فمبنى التصوف في أغلب مظاهره- كما أسلفنا- على الانقطاع والزهد في الدنيا،
والتجرد والتقشف ورياضة النفس على المشاق وفطمها عن الشهوات. ومبنى هذه الطرق في
ظاهر أمرها وباطنه على حيوانية شرهة لا تقف عند حدّ في التمتع بالشهوات، والانهماك
في اللذائذ واحتجان الأموال من طريق الحرام والحلال، واصطياد الجاه وحب الظهور
والاختلاط بأهل الجاه وإيثارهم والتزلف إليهم)[2]
وما ذكرناه من تحامله
الشديد على المتقدمين والمتأخرين من غير استثناء لقي على ما يبدو إنكار ممن يسميهم
الإبراهيمي (بعض الناس)، فقد ذكروا
أنهم يقولون: (إن ما ذكرتموه من آثار الطرق السيئة كله صحيح وهو قليل من كثير،
ولكن هذه الطرق لم يعترها الفساد والافساد إلّا في القرون الأخيرة، وأنتم- معشر
المصلحين- تذهبون في إنكاركم إلى ما قبل هذه القرون، وتتناولون فيما تكتبون وما
تخطبون وما تدرسون المحدثين والقدماء والأصول البعيدة والفروع القريبة. حتى بسطتم
ألسنتكم بالسوء إلى مقامات وأسماء كانت قبل اليوم كحمام الحرم. ولعل خصومكم يكونون
أدنى للرجوع إلى الحق لو سكتم لهم عن هذه الأسماء) [3]