شق الصدر، مع
أنه ذكر الاضطرابات الكثيرة التي اتسمت به رواياتها.
النموذج الثاني: حادثة سحر النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم:
وهي من الروايات
التي لقيت انتقادا شديدا من الكثير من العلماء، مع كونها وردت بأسانيد أقوى من
حادثة بني قريظة، ولم يقتصر إنكارها على المتأخرين، بل شملت الكثير من المتقدمين؛
فقد قال الفخر الرازي في تفسيره عند ذكر سبب نزول المعوذتين وحديث سحر النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم: (قال القاضي هذه رواية باطلة،وكيف يمكن القول
بصحتها، والله تعالى يقول:﴿ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة:
67 ] وقال: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69 ]
ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة؛ ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا
إلى ضرر جميع الأنبياء والصالحين، ولقدروا على تحصيل الملك العظيم لأنفسهم، وكلُّ
ذلك باطلٌ، ولكان الكفار يعيرونه بأنه مسحور. فلو وقعت هذه الواقعة لكان الكفار
صادقين في تلك الدعوة، ولحصل فيه - عليه السلام - ذلك العيب، ومعلوم أن ذلك غير
جائز)[1]
ومن الذين
أنكروها الفقيه والمفسر الحنفي الكبير أبو بكر الجصاص الذي قال في كتابه [أحكام القرآن]: (زعموا أن النبي صلیاللهعلیهوآلهوسلم سُحر، وأن السحر عمل فيه حتى أنه يتخيل أنه يفعل
الشيء ولم يفعله.. وقد قال الله تعالى مكذباً للكفار فيما أدعوه من ذلك للنبي a: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ
إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ [الفرقان: 8].. ومثل هذه الأخبار من وضع
الملحدين تلعباً بالحشوا الطغام واستجرار لهم إلى القول بإبطال معجزات الأنبياء
عليهم السلام، والقدح فيها)[2]
[2] أحكام
القرآن، أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي (المتوفى: 370هـ)، المحقق: عبد
السلام محمد علي شاهين، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، الطبعة:
الأولى، 1415هـ/1994م، 1: 49 .