الإمام مالك لم
يذكر في موطئه تلك المجزرة، ولا أشار إليها.
بناء على هذا،
سنحاول في هذا الفصل بيان المصدر اليهودي لهذه المجزرة من خلال ثلاثة أدلة، يكمل
بعضها بعضا:
أولها ـ انتشار
الرواية عن اليهود في ذلك العصر، واختلاطها مع الروايات الورادة عن غيرهم من
الصحابة والتابعين، بحيث أصبح من الصعوبة التمييز بينها، وخاصة مع انتشار ظاهرة
التدليس.
ثانيها ـ ما ورد
في الروايات الخاصة بالمجزرة من تمجيد لليهود، وبيان لبطولاتهم ونبلهم واستعدادهم
للتضحية في سبيل دينهم ومبادئهم على خلاف ما ورد في القرآن الكريم من صفاتهم.
ثالثها ـ ما ورد
في الروايات الخاصة بالمجزرة من إساءة لرسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم وللمسلمين، وهي تؤيد ما ذكر في القرآن الكريم من
سلوكاتهم المرتبطة بذلك.
وسنشرح هذه
الأدلة في المباحث التالية:
أولا ـ انتشار الرواية في ذلك العصر
عن اليهود:
وهذا من المتفق
عليه عند جميع المحدثين والمؤرخين، وقد أشرنا إليه في مواضع كثيرة من سلسلة [الدين
والدجل]، باعتباره السبب الأكبر لكل التحريفات التي حصلت في الإسلام، وسبب ذلك هو
أن بني أمية، بل من قبلهم، الذين أعطوا لليهود الكثير من الحرية في رواية الأخبار
والقصص، بل تفسير القرآن الكريم على أساسها، وهذا ما سمح لهم بالانتشار، وتكوين
الحلقات العلمية، وتكثير الأتباع الذين يجدون عندهم من التفاصيل ما لا يجدون عند
غيرهم.
وقد أشار ابن
خلدون إلى هذا؛ فقال ـ عند حديثه عن التفسير وامتلائه بالروايات الإسرائيلية:
(والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم