responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : قلوب مع محمد نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 94

ثالثا ـ الأدباء

فتحت دفتر الغريب على فصله الثالث، فوجدت عنوانه (الأدباء)، فقلت: من تقصد بالأدباء؟

قال: أولئك الذين فتحت لهم خزائن الكلام، ونبعت لهم من منابع المشاعر عيون عبروا بها عما لم يطق غيرهم التعبير عنه.

قلت: فما الفرق بين هؤلاء وبين غيرهم؟

قال: هؤلاء هم لسان البشر الذي يعبر عنهم.

قلت: ولكنهم قد يتيهون في أودية الأماني، كما قال تعالى:﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ) (الشعراء:224- 225)، وقد روي في الحديث عن أبي سعيد قال: بينما نحن نسير مع رسول الله a بالعَرْج، إذ عَرَض شاعر يُنشد، فقال النبي صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم: (خذوا الشيطان -أو امسكوا الشيطان -لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا خير له من أن يمتلئ شعرًا)[1]


[1] رواه أحمد.. فهم البعض هذه النصوص فهما خاطئا، فراحوا يذمون الشعر ذما مطلقا، حتى حكي عن بعض الزهاد أنه كان لا يتمثل ببيت شعر، ولما سئل عن ذلك قال: لا أحب أن أرى في صحيفتي يوم القيامة بيت شعر!

وهم يستدلون لهذا بأحاديث مكذوبة على رسول الله صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم منها (مَنْ قرض بيت شعر بعد العشاء لم تُقْبَلْ له صلاة تلك الليلة)، وقد قال ابن كثير في تخريجه: وهذا حديث غريب من هذا الوجه، لم يَرْوِهِ أحد من أصحاب الكتب الستة.

أما الحديث الذي جاء عن النبي صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم في ذم الشعر: ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير له من أن يمتلئ شعرا) رواه البخاري في باب الأدب، ومسلم في باب الشعر.. فقد حمل على الشعر المشتمل على الفحش، أو على الوعيد على ما إذا غَلَبَ عليه الشعر، وملك نفسه؛ حتى اشتغل به عن القرآن والفقه في الدين ونحوهما؛ ولذلك ذكر الامتلاء.

ويدل لهذا ما ذكره من لفظ (الامتلاء) الذي يعني أن يشغل المالئ بشيء جميع أجزائه؛ حتى لا يكون فيها فضل لغيره.

وأورد مصطفى صادق الرافعي في كتابه (إعجاز القرآن) قولا نسبه للرسول a وهو: لما نشأت.. بُغِّضَتْ إِلَيَّ الأوثان، وبُغِّضَ إِلَيَّ الشعر.. وهو قول لا أصل له، ولا سند بدليل ماورد من سماع النبي صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم للشعر ومحبته له في مواضع كثيرة، فقد أخرج البخاري في (الأدب المفرد) عن عمر بن الشريد عن أبيه أنه قال: استنشدني رسول الله صلی‌الله‌علیه‌وآله‌وسلم من شعر أمية بن أبي الصلت، فأنشدته؛ حتى أنشدته مائة قافية.

وقد ذكر الشيخ عبد القاهر الجرجاني ثلاثة وجوه لذم الشعر؛ وهي:

الأول: أن يُذَمَّ الشعر من حيث المضمون. أي: من حيث ما يتضمنه من فُحش ونُبوٍّ عما تقتضيه الأخلاق.

الثاني: أن يُذَمَّ من حيث الوزن والقافية. وهذه ناحية صناعية.

الثالث: أن يُذَمَّ لاعتبارات تتصل بالشاعر.

ونحن في هذا الفصل كما في سائر الرسائل لا نعتبر إلا الأول، باعتبار الثاني يرجع إلى الصناعة، والثاني يرجع إلى شخصية الشاعر، لا إلى ما قاله، والمؤمن يستفيد الحكمة ولا يهمه من أي وعاء خرجت.

نام کتاب : قلوب مع محمد نویسنده : أبو لحية، نور الدين    جلد : 1  صفحه : 94
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست