الى القلب بنفوذ عجيب، أم أنَّ هناك جوانب اخرى لإعجازه؟)[1]
ثم راح يجيب على هذا السؤال بدعوة القارئ إلى أن يلاحظ بنفسه أمارات الاعجاز الواضحة..
وأولها ـ كما يذكر الشيرازي ـ فصاحته وبلاغته، ذلك أن (لكل كلام صفتان، (الفاظه)
و(محتواه) فعندما تكون الالفاظ والكلمات جميلة ولائقة وتتميز بالانسجام والترابط
اللازم وخالية من التعقيد، بحيث يوصل تركيب الجمل المعنى المراد بدقّة تامّة
وبطريقة مقبولة وجذابة قيل لذلك الكلام أنَّه فصيح وبليغ.. وفي القرآن تتجسد هاتان
الصفتان تجسداً لا حد له، بحيث أنَّ أحداً لم يستطع حتى الآن أنْ يأتي بآيات وسور
تضاهي آيات القرآن وسوره من حيث الجاذبية والحلاوة والتناغم)[2]
ويذكر مثالا على ذلك بالوليد بن المغيرة، فيقول: (وكان ممّن دُعوا
لمواجهة تحدي القرآن من قبل مشركي العرب هاجت مشاعره وانفعل عند سماع بضع آيات من القرآن، ولم يتوصل تفكيره العميق الى إلصاق أي تهمة به إلا أن يصفه بالسحر وإلا
أنْ يصف رسول الله بالساحر!)[3]
وهو لذلك يصف وصف المشركين للقرآن بالسحر اعترافا بإعجازه، يقول في ذلك:
(على الرّغم من أنَّهم راحوا يكررون إلصاق صفة السحر بآيات القرآن على سبيل الذم
والتنديد، إلا أنَّ ذلك كان في الواقع مدحاً وتكريماً، إذ أنَّ فيه اعترافاً
ضمنياً بسيطرة القرآن الكريم الخارقة للعادة على المخاطب ونفوذه الى أعماقه، بحيث
إنّك لا تستطيع أنْ تفسر ذلك تفسيراً عادياً، إلا أنْ تقول أنَّ فيه جاذبية غامضة
ومجهولة، لكنهم بدلاً من أنْ يتقبلوا
[1]
سلسلة دروس في العقائد الاسلامية، ناصر مكارم الشيرازي، ج1، ص:161.