الرأي ما رأيتم. ورجع أبو مسلم ومن معه إلى مجلسه وقد نودي بالعصر، فقال لمن حضر: بكّروا بالغداة جميعا ولا يتخلفنّ أحد، فانصرفوا على ذلك. ولم يبت نصر حتى أتاه الخبر بأنّ أبا مسلم أمر أصحابه بالاجتماع إليه لأمر يدبّره، فقال لعقيل بن معقل: انظر ما يأتينا به هذا الساحر الآن [1] ، وبعث عيونا له فدخلوا عسكر أبي مسلم من الغد، وصاروا إلى بابه، وأصبح أهل الخندق قد اجتمعوا بباب أبي مسلم، فخرج إليهم فقال: يا معشر المسلمين بلغنا أنّ [143 أ] نصر بن سيّار جمع قوما فخبّرهم بأنكم على غير دين الإسلام، وأنّكم تستحلون المحارم، ولا تعملون بكتاب الله ولا سنّة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، يريد بذلك ليطفئ نوركم، ويؤلّب عليكم الناس، وقد كان الإمام أمرنا وتوالت كتبه إلينا بأن ندعو الناس إلى كتاب الله وسنّة نبيّه والعمل بذلك، وإظهار العدل، وإنكار الجور [2] ، وأن أبايع الناس على ذلك، وأنا أول من بايع على كتاب الله تعالى وسنّة نبيّ الله والعمل بالحق والعدل ودفع الظلم عن الضعفاء وأخذ الحق من الأقوياء، خذ بيعتي يا أبا محمد، يقول ذلك لسليمان بن كثير. فأخذ بيعته سليمان وقال: عليك عهد الله وميثاقه لتفينّ بما أعطيت من نفسك، قال: نعم.
ثم تتابع الناس على ذلك: بدئ فيه بذوي القدم من النقباء وغيرهم، ثم الوجوه، ثم العامة، حتى لم يبق أحد إلّا بايع، واضطرب الصوت به، وخرجت [به] [3] الأخبار، وتحدّثت به العامّة، وانصرف إلى نصر جواسيسه فأخبروه بالذي كان، فأسقط في يديه، وأمسك عن أبي مسلم من كان قبل قول نصر وقالوا هؤلاء أولى بالإجابة إذ دعوا إلى كتاب الله وسنّة [1] في ن. م. ص 267 أ «غدا» . [2] في ن. م. ص 267 أ «وإنكار الجور على أهل الجور» . [3] زيادة من كتاب التاريخ ص 267 ب.