وكان في ذلك صلاحهم وتفرغهم لمن قد أطلّ عليك من أمم الشرك. فأبى شيبان أن يجيبه إلى ذلك للذي كان يرى في جهاد نصر، ولما سبق منه إلى الكرماني. وكان سلم بن أحوز المازني في عسكره بإزاء علي بن معقل الحنفي في عسكره من أصحاب شيبان، فلما رأى نصر امتناع شيبان من الموادعة قال لسلم: إنّا إن قدرنا على استمالة علي بن معقل إلى الموادعة سهل ذلك علينا من قبل شيبان، فقد أرى أن تقاربه وتلقاه، فتعظم عليه ما صرنا إليه، وتدعو إلى الموادعة، وتخبره بما له في ذلك من الأجر، وما يكون له في ذلك عندنا وعند الخليفة من الثواب والمكافأة. فراسل سلم عليّ بن معقل، وتلاقيا فكلمه في ذلك وأخبره بالذي له فيه فأجابه وقال: نعم الرأي هذا أنا أعمل فيه، فإن أجابني شيبان وإلّا قوّضت عسكري فلحقت بكم أو تنحيت إلى بلادي فقد نهكتنا [145 أ] الحرب وأكلتنا. وعلي بن معقل يومئذ في نحو من خمسة وعشرين ألف رجل، فلقي شيبان فقال: إنّي والله ما رأيت أمرا أضلّ من أمر نحن فيه: قتال على غير دين وعلى العصبيّة، وقد خرج من أيدينا بعض ما كان فيها من هذه الكور، وقتل إخواننا، ونحن مع ذلك في غير دارنا وتوشك هذه المسوّدة بما نحن فيه من الاشتغال أن يحوزوا البلاد ويغلبوا عليها، ثم يقبلوا علينا وقد عزّوا ووهنّا فيبرونا عن كديد [1] الأرض، إنّك إن لم تجبني إلى ما أعرضه عليك انصرفت بمن معي عنك. قال: وما هو؟ قال: أرى أن توادع نصرا وننصرف [2] إلى سرخس، وتضم إليك أهل رأيك وتجبي الكور التي في يديك، أو تقيم على ذلك وتخلّي بين نصر وبين هذه المسوّدة. فقال شيبان: قد أعطينا عليّا [3] ما أعطيناه [1] في الأصل: «حديد» . [2] ولعلها «وتنصرف» . [3] في الأصل: «علي» .