نام کتاب : الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة نویسنده : الفقي، محمد كامل جلد : 1 صفحه : 96
عباسًا أظهر منذ تولي الحكم في مصر أنه لن يكون الحاكم الذي يتابع سياسة جده, ويحنو على مؤسساته, ويؤيد نظمه, وأن سياسة عباس في الإصلاح الداخليّ كانت فشلًا متصلًا, ولا يشفع له في ذلك أن حكمه كان قصيرًا، وهو أيضًا يرجع السبب في ذلك إلى أن سياسة عباس قامت على تسفيه الجهود التي بذلها محمد علي وإبراهيم في ميدان الإصلاح الداخليّ, والسياسة التي اعتقد أنهما كانا يتمسكان بها, ويدعوان إليها.
فإذا ارتسمت لنا سياسة عباس على هذه الصورة, فقد هان علينا أن نفهم السر في إغلاقه معظم المدارس الخصوصية في أول عهده، وقد كان مدرسة الألسن أول مدرسة ألغيت في عهد عباس, فمؤسسها وناظرها رفاعة بك, أحد الأدنين من جده وعمه الناعم بعطفهما وثقتهما، ورسالة هذه المدرسة هي نقل الحضارة الغربية والثقافة الأوربية, والذي رسم هذه الخطة الرشيدة هما: محمد علي وإبراهيم, والذي اضطلع بتنفيذ هذه السياسة, وبذل فيها أعظم الجهود, إنما هو رفاعة بك, وعباس- كما يقول المؤرخ الإيطاليّ "وساماركوا": "يتجلى عداؤه للحضارة الغربية, وكرهه لجميع الأعمال التي كونت مجده, ويبذل كل الجهد لتحطيمها شيئًا فشيئًا" فلا عجب إذن أن يجافي رفاعة بطل هذه الحضارة, وحامل لواء تلك النهضة, وأن يحصل له من البغض والشنآن ما ينتهي به إلى نفيه إلى السودان.
ويرى الأستاذ عبد الرحمن بك, أن لكتاب "تخليص الإبريز" سببًا يتصل بنفيه؛ إذ لا يخفى أنه طبع للمرة الثانية سنة 1265هـ, أي: في أوئل عهد عباس, والكتاب يحوي آراء ومبادئ لا يرغب فيها الحاكم المستبد, وعباس كان بطبعه مستبدًّا, فلا بد أن الوشاة قد لفتوا نظره إلى ما في كتاب رفاعة, مما لا يروق عباس, فرأى أن يبعده إلى الخرطوم؛ ليكون السودان منفًى له, وليبعده, ويبعد من يشاكله في آرائه وأفكاره عن مصر، ويتخذ لإبعاده وإبعادهم علةً منتحلةً وسببًا مخادعًا.
نام کتاب : الأزهر وأثره في النهضة الأدبية الحديثة نویسنده : الفقي، محمد كامل جلد : 1 صفحه : 96