responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 24
عَلَى عِبَادِهِ بِمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنَ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ فَالْبَحْرُ الْمُحِيطُ بِسَائِرِ أَرْجَاءِ الْأَرْضِ وَمَا ينبت مِنْهُ فِي جَوَانِبِهَا الْجَمِيعُ مَالِحُ الطَّعْمِ مُرٌّ وَفِي هَذَا حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ لِصِحَّةِ الْهَوَاءِ إِذْ لَوْ كَانَ حُلْوًا لَأَنْتَنَ الْجَوُّ وَفَسَدَ الْهَوَاءُ بسبب ما يموت فيه من الحيوانات فكان يؤدي إلى تفاني بني آدم ولكن اقتضت الْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ.
وَلِهَذَا لَمَّا سُئل رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَحْرِ قَالَ: " هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ " [1] .
وَأَمَّا الْأَنْهَارُ فماؤها حلو عذب فرات سائغ شرابها لمن أراد ذلك.
وَجَعَلَهَا جَارِيَةً سَارِحَةً يُنْبِعُهَا تَعَالَى فِي أَرْضٍ وَيَسُوقُهَا إِلَى أُخْرَى رِزْقًا لِلْعِبَادِ.
وَمِنْهَا كِبَارٌ وَمِنْهَا صِغَارٌ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ أصحاب علم الهيئة والتفسير عَلَى تَعْدَادِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ الْكِبَارِ وَأُصُولِ مَنَابِعِهَا وَإِلَى أَيْنَ يَنْتَهِي سَيْرُهَا بِكَلَامٍ فِيهِ حِكَمٌ وَدَلَالَاتٌ عَلَى قُدْرَةِ الْخَالِقِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ فَاعِلٌ بالاختيار والحكمة - قوله تَعَالَى (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [الطور: 6] فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَحْرُ الَّذِي تَحْتَ الْعَرْشِ المذكور في حديث الأوعال.
وأنه فوق السموات السَّبْعِ بَيْنَ أَسْفَلِهِ وَأَعْلَاهُ كَمَا بَيْنَ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَهُوَ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ الْمَطَرُ قَبْلَ الْبَعْثِ فَتَحْيَا مِنْهُ الْأَجْسَادُ مِنْ قُبُورِهَا.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ.
وَالثَّانِي أَنَّ الْبَحْرَ اسْمُ جِنْسٍ يَعُمُّ سَائِرَ الْبِحَارِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ * وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فَقِيلَ الْمَمْلُوءُ وَقِيلَ يَصِيرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا تُؤَجَّجُ فَيُحِيطُ بِأَهْلِ الْمَوْقِفِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ علي وابن عباس وسعيد بن جبير وابن مجاهد وَغَيْرِهِمْ.
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَمْنُوعُ الْمَكْفُوفُ الْمَحْرُوسُ عَنْ أَنْ يَطْغَى فَيَغْمُرَ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا فَيَغْرَقُوا.
رَوَاهُ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [1] حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا
الْعَوَّامُ حَدَّثَنِي شَيْخٌ كَانَ مُرَابِطًا بِالسَّاحِلِ قَالَ " لَقِيتُ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات [على الأرض] يستأذن الله عزوجل أن يتفصح عليهم فيكفه الله عزوجل " ورواه إسحاق بن راهويه

[1] اخرجه أحمد في مسنده 2 / 227، 261، 278، 292 ; 3 / 273 ; 5 / 265.
وأبو داود في الطهارة والترمذي في الطهارة والنسائي في الطهارة والمياه والصيد.
وأخرجه ابن ماجه في الطهارة.
وفي موطأ مالك والدارمي في الوضوء والصيد.
(2) سورة الطور الآية 6.
في معنى المسجور قال مجاهد: الموقد ; وافقه الضحاك وشمر بن عطية ومحمد بن كعب والاخفش: انه بمنزلة التنور المسجور - الموقد المحمى -.
وعن ابن عباس قال: المسجور الذي ذهب ماؤه.
وقيل المسجور أي المفجور.
وعند المهايمي: أورده بعد السقف المرفوع للاشارة إلى أنه إذا ارتفع العمل إلى السماء فاض منها على العبد من العلوم ما يجعله بحرا من المحبة ما يسجر بنار الشوق إلى ربه.
[*]
نام کتاب : البداية والنهاية - ط إحياء التراث نویسنده : ابن كثير    جلد : 1  صفحه : 24
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست