responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 14  صفحه : 26
السَّيْرِ إِلَى دِمَشْقَ فَسَارَ إِلَيْهِ فَحَثَّهُ عَلَى الْمَجِيءِ إِلَى دِمَشْقَ بَعْدَ أَنْ كَادَ يَرْجِعُ إِلَى مِصْرَ، فَجَاءَ هُوَ وَإِيَّاهُ جَمِيعًا فَسَأَلَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يَقِفَ مَعَهُ فِي مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ تَحْتَ رَايَةِ قَوْمِهِ، وَنَحْنُ مِنْ جَيْشِ الشَّامِ لَا نَقِفُ إِلَّا مَعَهُمْ، وَحَرَّضَ السُّلْطَانَ عَلَى القتال وبشره بالنصر وجعل يحلف باللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ، فَيَقُولُ لَهُ الْأُمَرَاءُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَقُولُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَحْقِيقًا لَا تَعْلِيقًا. وَأَفْتَى النَّاسَ بِالْفِطْرِ مُدَّةَ قِتَالِهِمْ وَأَفْطَرَ هُوَ أَيْضًا، وَكَانَ يدور على الأجناد وَالْأُمَرَاءِ فَيَأْكُلُ مِنْ شَيْءٍ مَعَهُ فِي يَدِهِ لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّ إِفْطَارَهُمْ لِيَتَقَوَّوْا عَلَى الْقِتَالِ أَفْضَلُ فَيَأْكُلُ النَّاسُ، وَكَانَ يَتَأَوَّلُ فِي الشَّامِيِّينَ قَوْلَهُ صلّى الله عليه وسلم «إنكم ملاقوا الْعَدُوِّ غَدًا، وَالْفِطَرُ أَقْوَى لَكُمْ» فَعَزَمَ عَلَيْهِمْ فِي الْفِطْرِ عَامَ الْفَتْحِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَكَانَ الْخَلِيفَةُ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ فِي صُحْبَةِ السُّلْطَانِ، وَلَمَّا اصْطَفَّتِ الْعَسَاكِرُ وَالْتَحَمَ الْقِتَالُ ثَبَتَ السُّلْطَانُ ثَبَاتًا عَظِيمًا، وَأَمَرَ بِجَوَادِهِ فَقُيِّدَ حَتَّى لَا يَهْرَبَ، وَبَايَعَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ، وَجَرَتْ خُطُوبٌ عَظِيمَةٌ، وَقُتِلَ جَمَاعَةٌ مِنْ سَادَاتِ الْأُمَرَاءِ يَوْمَئِذٍ، مِنْهُمُ الأمير حسام الدين لاجين الرومي أستاذ دار السلطان، وثمانية من الأمراء المقدمين معه، وصلاح الدين بن الملك السعيد الْكَامِلِ بْنِ السَّعِيدِ بْنِ الصَّالِحِ إِسْمَاعِيلَ، وَخَلْقٌ مِنْ كِبَارِ الْأُمَرَاءِ، ثُمَّ نَزَلَ النَّصْرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ قَرِيبَ الْعَصْرِ يَوْمَئِذٍ، وَاسْتَظْهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْلُ لَجَأَ التَّتَرُ إِلَى اقْتِحَامِ التُّلُولِ وَالْجِبَالِ وَالْآكَامِ، فَأَحَاطَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ يَحْرُسُونَهُمْ مِنَ الْهَرَبِ، وَيَرْمُونَهُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ إِلَى وَقْتِ الْفَجْرِ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَا لَا يَعْلَمُ عَدَدَهُ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَجَعَلُوا يَجِيئُونَ بِهِمْ فِي الْحِبَالِ فَتُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ، ثُمَّ اقْتَحَمَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ الْهَزِيمَةَ فَنَجَا مِنْهُمْ قَلِيلٌ، ثُمَّ كَانُوا يَتَسَاقَطُونَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْمَهَالِكِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ غَرِقَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ فِي الْفُرَاتِ بِسَبَبِ الظَّلَامِ، وَكَشَفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ غُمَّةً عَظِيمَةً شَدِيدَةً، وللَّه الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَدَخَلَ السُّلْطَانُ إِلَى دِمَشْقَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ خَامِسِ رَمَضَانَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ الْخَلِيفَةُ، وَزُيِّنَتِ الْبَلَدُ، وَفَرِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ [1] ، فَنَزَلَ السُّلْطَانُ فِي الْقَصْرِ الْأَبْلَقِ وَالْمَيْدَانِ، ثم تجول إِلَى الْقَلْعَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَصَلَّى بِهَا الْجُمُعَةَ وَخَلَعَ عَلَى نُوَّابِ الْبِلَادِ وَأَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى بِلَادِهِمْ، وَاسْتَقَرَّتِ الْخَوَاطِرُ، وَذَهَبَ الْيَأْسُ وَطَابَتْ قُلُوبُ النَّاسِ، وَعَزَلَ السُّلْطَانُ ابْنَ النَّحَّاسِ عَنْ وِلَايَةِ الْمَدِينَةِ وَجَعَلَ مَكَانَهُ الْأَمِيرَ عَلَاءَ الدِّينِ أَيْدُغْدِي أَمِيرَ عَلَمٍ، وَعَزَلَ صَارِمَ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ وَالِي الْخَاصِّ عَنْ وِلَايَةِ الْبَرِّ وَجَعَلَ مَكَانَهُ الْأَمِيرَ حُسَامَ الدِّينِ لَاجِينَ الصَّغِيرَ، ثُمَّ عَادَ السُّلْطَانُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ ثَالِثِ شَوَّالٍ بَعْدَ أَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَعَيَّدَ بِدِمَشْقَ.
وَطَلَبَ الصُّوفِيَّةُ مِنْ نَائِبِ دِمَشْقَ الْأِفْرَمِ أَنْ يُوَلِّيَ عليهم مشيخة الشيوخ للشيخ صفى الدين

[1] يعنى من المسلمين واليهود والنصارى.
نام کتاب : البداية والنهاية - ط الفكر نویسنده : ابن كثير    جلد : 14  صفحه : 26
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست