نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 231
"لعله ما من أحد منكم إلا أسديت إليه فضلًا في وطني. واذكروا أني لم أقف منكم موقف السيد، وأنكم كنتم فقراء فأغنيتكم بأفضالي المستمرة، وأقمت الابن منكم على أملاك أبيه، وحرصت على أن أبعد كل شر عن أرض مصر. وتجاوزت عن ضرائبكم. ولم يحدث أن اغتصب أحد شيئًا منكم. وكل من أعلن منكم شكاية زكيته على طول الخط، ... والواقع أنه ما من مولى قدم لجنوده ما قمت به لإرضائكم. فقد سمحت لكم بالاستقرار في بيوتكم ومدنكم كلما أعفيتكم من القيام بمهام الجيش، وهكذا كان شأن خيالتي، يسرت لهم السبيل إلى قراهم "كلما شاءوا أو كلما سمحت الظروف".
وما نظن أن حديث رمسيس يخلو من المبالغة، ولكنه لا يخلو في الوقت نفسه من حقائق مقبولة، فقد دلت متون بعض أفراد الجيش العاديين، وليس الضباط وحدهم، على أنهم تمتعوا بإنعامات الملوك فعلًا، وأنهم كانوا من ملاك الأراضي، وذوي خدم وعبيد، ليس في الدولة الحديثة وحدها، وإنما فيما سبقها كذلك من عصور. وكان من شأن غناهم النسبي، فيما يرجح، أن يجنبهم الدنية ويهذب خشونتهم ويكفل لهم كرامة العيش، فضلًا عما يرتضونه لأنفسهم من كرامة المظهر.
وتوالت هجمات رمسيس وجيوشه على جيوش أعدائه ست مرات، وكانت السادسة هي الفاصلة، فانسحب الحيثيون إلى مدينة قادش، وزادت المصادر المصرية فروت أن ملكهم أوفد رسولًا إلى رمسيس يعرض عليه السلم ويستعطفه بعبارات لا تخلو من ألم ومذلة، ويقول فيما روى المؤرخون المصريون: " ... هل من الخير أن تبطش بعبيدك، ووجهك الكريم يلحظهم دون أن ترحم؟ تذكر ما فعلته بالأمس حيت أتيت فقتلت منا مئات الألوف، أتأتي اليوم أيضًا ولا تُبقي من رجالنا باقية؟ لا تكن قاسيًا في حكمك أيها الملك الهمام، فالسلام خير من الحروب ... ".
ومال رمسيس إلى الاستجابة من أجل نفسه التي أجهدتها الحرب، ولصالح جيشه، ورحمة بعدوه، ولكنه أراد أن يعرف رأي رجاله أولا، فاستدعى رؤساء جيشه، خيالة ورجالة، وجمعهم في صعيد واحد، وأسمعهم عرض كبير الحيثيين، فأجابوه في صوت واحد: "الصلح خير عظيم جدًّا، مولانا الحاكم، وليس في السلام من بأس إن نفذته. ومن ذا الذي لا يهاب يوم نقمتك؟ ". وغلبت على المصري سماحته "فأذن الفرعون بالاستجابة إلى دعاء العدو، وبسط يديه من أجل السلام، وقفل راجعًا مع جنوده في أمان إلى أرض مصر".
سجل أعوان رمسيس تفاصيل معركة قادش كتابة وتصويرًا على جدران معابد الكرنك والأقصر والرمسيوم وأبيدوس وأبي سنبل، وسجلوها على صفحات البردي للذكرى والتفاخر والدراسة[1]، وغالوا في تصوير جرأته فيها كما غالوا في تصوير عجز أعدائهم فيها. وكان من الطبيعي أن يسجل الحيثيون من [1] عبد العزيز صالح: التاريخ في مصر القديمة – مفهومه وعناصره وبواعث القومية فيه – القاهرة 1975، ص32.
Breasted, The Battle Of Kadesh, 1903; Kuentz, La Bataille De Qadech, 1928; Gardiner, The Kadesh Inscriptions Of Ramesses Ii, 1960; And See The Battle Of Kadesh, Publications Of The Centre Of Documentation, F. 58.
نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 231