نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 279
في الحياة المصرية، ولو من حيث الظاهر على أقل تقدير. واستمرت عهود الحكام ذوي الأصول المهجنة أكثر من قرنين، تناسوا فيهما أصلهم الغريب نوعًا، واعتادوا على أن يعتبروا أنفسهم فراعنة مصريين ودانوا بديانة مصر، ثم حاربوا باسمها خارج حدودها، وحاولوا أن يستعيدوا لها بعض سمعتها الدولية القديمة، فكانت عهودهم بذلك أقرب في بعض نواحيها إلى عهود المماليك فيما بعد خلال العصور الوسطى، لم يعتبرهم التاريخ أغرابًا بقدر ما اعتبرهم متمصرين مغتصبين، ولم يؤثروا في الروح المصرية بقدر ما تأثروا بها، ولم يمنع اغتصابهم لعرش البلاد من أن يظهر بينهم حكام مصلحون، ولم تمنعهم أصولهم المهجنة من أن يخلصوا لسمعة مصر واستقلالها، ولم يرض أهل البلاد بحكمهم بقدر ما قبلوه على مضض ومرارة. ولا ضرورة إلى أن نضيف بعد ذلك أن طول العهد بالحكام ذوي الأصول الأجنبية في بعض الدول الأوروبية الحديثة نفسها، قد جعل شعوبهم تتناسى أصولهم، فليس في بريطانيا من يهتم برجوع نسب الأسرة المالكة في بلاده إلى النورمان، ولم يكن في بلاد اليونان من يهتم برجوع نسب الأسرة المالكة في بلاده إلى الجرمان. ولم تقتصر أوجه الشبه التي عقدناها بين حكام بداية العصور المتأخرة المهجنين وبين مماليك العصور الوسطى، مع اتساع الشقة الزمنية بينهما، على ما أسلفناه منها، وإنما تتضح كذلك في أن التنافس على السلطة العليا ظل شديدًا بين كبرائهم مثلهم، فتخللت عهودهم فترات من الانشقاق وتفرق الكلمة، بحيث ظهرت منهم ثلاث أسر حاكمة في مدى قرنين، وتعاقب منهم ملوك كثيرون، شاعت بينهم أسماء: شاشانق "لما بين الأربعة وبين السبعة"، ووساركون "لثلاثة أو أربعة"، وثكرتي "أو تكلوت لاثنين أو ثلاثة" وبامي "أو باماي"، وبادي باسطة "رأي الأسرة الثالثة والعشرين"، ثم تاف نخت، وباكن رنف "بوخوريس" "ملكي الأسرة الرابعة والعشرين"، ومن أسماء العرش المعروفة لبعض هؤلاء الملوك، أسماء: حج خبر رع "شاشانق الأول"، سخم خبر رع "وساركول الأول"، وسر ماعت رع "ثكرتي الأول"، وسرماعت رع - ستبن آمون "وساركون الثاني"، حج خبررع - سا إيسة "ثكرتي الثاني"، وسرماعت رع - سا باسطة "شاشانق الثالث"، و"سرماعت رع "باماي"، عاخبر رع "شاشانق الرابع"، إلخ، مع بعض الشك في ترتيب تعاقبهم. ولن نبحث في أمر كل واحد من هؤلاء على حدة، وإنما نكتفي بالخصائص العامة لعصرهم في وحدة واحدة.
ففي الحكم الداخلي، رسم أولئك الملوك سياسة بعيدة المدى إزاء طيبة ذات المكان السياسية والدينية التليدة لا سيما بعد أن اصطدموا بها في بداية عصرهم. فعمل أغلبهم على أن يعين كل منهم أحد أولاده كبيرًا لكهنة آمون فيها لكي يكفل لأسرته عن طريقه السلطة السياسية والسلطة الروحية معًا ولكي يكون له ولها نصيب الأسد من ثروات معابد آمون الطائلة؛ وذلك إلى جانب صبغ نفوذه بصبغة حربية في الوقت نفسه بتلقيبه بلقب قائد الجيش، ربما تبريرًا لوضع فرق من الجيش تحت إمرته لتأييده في مركزه، وتعمد بعضهم أن يزيد تدعيم مركز ولده في هذا المنصب فسمح له بأن يسجل اسمه داخل خرطوش شأنه شأن الملوك، أي أنهم استفادوا من سابقة النظام الثيوقراطي بشقيها في عصر الأسرة الحادية والعشرين، ثم زاد وساركون الثالث أحد فراعنة الأسرة
نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 279