نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 545
وجمع الآشوريون فلولهم وتحصنوا في حران بقيادة آشور أو بالليط وريث العرش الآشوري، وكانت حران عصبًا رئيسيًّا لأحد الطرق التجارية الكبيرة في بلاد النهرين "وقد يعني اسمها معنى الطريق أيضًا"، ولكنهم ما لبثوا حتى أخلوها تحت ضغط الغزاة، فدخلها البابليون والماذيون وتركوا حامية بها "حوالي عام 610ق. م". ثم حاول آشور أو بالليط أن يجرب حظه للمرة الأخيرة فاستعان بجيش مصري على حد رواية البابليين وحاصر الحامية البابلية في حران "حوالي عام 609ق. م"، ولكن طال حصارها حتى لحقت بها النجدات البابلية والماذية وهزمت جيوشه بعد أن قاومها نحو ثلاث سنوات[1].
وبذلك انتهى دور الآشوريين من التاريخ بعد أن أثبتوا أنهم كانوا أعنف قوة عسكرية منظمة شهدها الشرق القديم حتى عصرهم، وبعد أن ضربوا المثل في ضراوة القتال وأساليب العنف لجيرانهم الإيرانيين، لا سيما الماذيين والفرس، وبعد أن شتتوا جهودهم بتوسيع أملاكهم إلى آفاق بعيدة يصعب الاحتفاظ بها ويصعب الدفاع عنها سواء من الشرق أم من الغرب مما أدى إلى تفسخ قواهم، وبعد أن أثاروا حقد بقية بلاد النهرين عليهم بإصرارهم على إذلال بابل والسيطرة عليها على الرغم من سمعتها الواسعة القديمة، وعلى الرغم من استفادتهم من حضارتها.
الاتساع البابلي:
زادت صحوة الكلدانيين البابليين بعد القضاء على الغول الآشوري، واستمروا في تقوية جبهتهم الداخلية والتمسح بالدين عن طريق تعمير المعابد وتشييد الجديد منها، وسيطروا على أواسط بلاد النهرين وجنوبها، ورضوا مؤقتًا بسيطرة الماذيين على شمال العراق وأملاك الآشوريين في شرق دجلة. ثم طمعوا في إحياء الأملاك الآشورية الغربية لحسابهم، وبدءوا يعملون للسيطرة على بادية الشام وسوريا وفلسطين، ولكن طموحهم أثار مخاوف مصر من عودة التنافس على الطرق التجارية في الشام، فخرج الفرعون نيكاو الثاني بجيشه إلى فلسطين وكسر شوكة مملكة يهوذا التي أرادت أن تنتصر في عهد يوشيا[2] للقوة البابلية الجديدة، وواصل طريقة إلى سوريا وأوقف مسيرة الاحتلال البابلي الجديد، ثم واصل طريقة نحو الفرات، ولكن انتصاراته أسكرته وأخذه الزهو فعاد وتوقف بجيوشه فترة طويلة في أرض لبنان، حيث أمر بتسجيل انتصاراته على صخور وادي الكلب "تلك الصخور التي حفلت بنقوش الفاتحين والمنتصرين" فكان توقفه بجيوشه فرصة سانحة اغتنمتها الجيوش البابلية فتجمعت وأزدادت أعدادها بقيادة ولي العهد البابلي نبوخذ نصر، والتقت بالمصريين في موقعة قرقميش عام 605 "أو 604" ق. م، ونجحت في أن توقف زحفهم[3]. وحاول المصريون أن يعيدوا الكرة لمهاجمة مصالح بابل في الشام عن طريق البحر [1] See, Gadd, The Fall Of Niniveh, 1923. [2] الملوك الثاني 23: 29 - 35 - وراجع ص302.
3 " Woolley, Carchemish, Ii 125-127."
نام کتاب : الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق نویسنده : عبد العزيز صالح جلد : 1 صفحه : 545