نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 183
وفي جزيرة العرب وبادية الشام أرضون يمكن أن تكون موردًا عظيمًا للماشية بل وللحبوب أيضًا، لو مسّها وابل وهطلت عليها أمطار، وتوفرت فيها مياه؛ فإن أرضها الكلسية تساعد كثيرًا على تربية الماشية بجميع أنواعها. كما تساعد على الاستيطان فيها، ولهذا يتحوّل بعضها إلى جنان تَخْلُب الألباب وتسحر النفوس عند هبوط الأمطار عليها، فتجلب إليها الإنسان يسوق معه إبله لتشبع منها. ولكن هذه الجنان لا تعمر، ويا للأسف، طويلا، فيضطر أصحاب الإبل إلى الذهاب إلى أرضين أخرى، وإلى التنقّل من مكان إلى مكان، فصارت حياته حياة تنقّل وهي حياة الأعراب.
أما وقد انتهيت من الحديث إجملًا عن صفة جزيرة العرب وعن حدودها ورسومها العامة، فلا بد لي من الإشارة إلى جزيرة "سقطري" "سوقطره" من الجزر التي تقابل الساحل العربي الجنوبي، وهي جزيرة كانت تعادل وزنها ذهبًا يوم كان البخور والصبر يعادلان بالذهب[1]. أما اليوم فما زال سكانها يجمعون الصبر والبخور والندّ؛ ولكنهم لا يجدون لحاصلهم السوق القديمة لزوال دولة المعابد والملوك الآلهة، وحلول عهد الذرة والبترول. وسكانها منذ القديم، خليط من عرب وإفريقيين وهنود ويونان. يتكلمون بلغة خاصة هي من بقايا اختلاط اللغات في هذه الجزيرة، فيها اللهجات العربية الجنوبية القديمة والمصرية والإفريقية. وهم يعيشون في كهوف ومغاور في الغالب ينالون رزقهم من الطبيعة بغير جهد. وترى في الجزيرة آثار الماضي وقد اختلط بعضه ببعض، لتداخل الحكم في هذه الجزيرة الثمينة التي هي اليوم في قبضة الإنكليز.
والآن وقد وقفت على صفة جزيرة العرب، وعرفت على سبيل الإجمال معالم وجهها، وكيف تغلبت الصحراوية، وظهر الجفاف عليها، فإن في وسعك أن تكوّن رأيًا في سبب قلة نفوس جزيرة العرب في الماضي وفي الحاضر، وفي سبب عدم نشوء مجتمعات حضرية وحكومات مركزية كبيرة فيها، وفي سبب تفشي البداوة وغلبة الطبيعة الأعرابية على أهلها وبروز الروح الفردية عند أهلها، وتقاتل القبائل بعضها مع بعض. ونفرة أهلها من الزراعة والحرف واعتدادهم إياها من حرف الوضعاء والرقيق. إن بيئة تحكمت فيها الطبيعة على هذا النحو. [1] جان جاك بيربي: جزيرة العرب "ص192 فما بعدها".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 183