نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 268
"والعربي يحب المساواة، ولكنها مساواة في حدود القبيلة، وهو مع حبه للمساواة كبير الاعتداد بقبيلته ثم بجنسه، يشعر في أعماق نفسه بأنه من دم ممتاز، لم يؤمن بعظمة الفرس والروم مع ما له ولهم من جدب وخصب وفقر وغنى وبداوة وحضارة، حتى إذا فتح بلادهم نظر إليهم نظرة السيد إلى المسود"[1].
ثم خلص إلى أن العرب في جاهليتهم كان أكثرهم بدوًا، وإن طور البداوة طور اجتماعي طبيعي تمر به الأمم في أثناء سيرها إلى الحضارة، وأن لهذا الطور مظاهر عقلية طبيعية، تتجلى في ضعف التعليل، وعنى بذلك عدم القدرة على فهم الارتباط بين العلة والمعلول والسبب والمسبب فهما تاما، "يمرض أحدهم ويألم من مرضه، فيصفون له علاجًا، فيفهم نوعًا من الارتباط بين الدواء والداء، ولكن لا يفهمه فهم العقل الدقيق الذي يتفلسف، يفهم أن عادة القبيلة أن تتناول هذا الدواء عند هذا الداء، وهذا كل شيء في نظره، لهذا لا يرى عقله بأسا من أن يعتقد أن دم الرئيس يشفي من الكَلَب، أو أن سبب المرض روح شرير حلّ فيه فيداويه بما يطرد هذه الأرواح، أو أنه إذا خيف على الرجل الجنون نجسوه بتعليق الأقذار وعظام الموتى إلى كثير من أمثال ذلك، ولا يستنكر شيئا من ذلك ما دامت القبيلة تفعله، لأن منشأ الاستنكار دقة النظر والقدرة على بحث المرض وأسبابه وعوارضه، وما يزيل هذه العوارض، وهذه درجة لا يصل إليها العقل في طوره الأول"[2].
ثم أورد أمثلة للاستدلال بها على ضعف التعليل، مثل قولهم بخراب سدّ مأرب بسب جرذان حُمْر، ومثل قصة قتل النعمان لسِنمّار بسبب آجُرّة وضعها سِنِمار في أساس قصر الخورنق، لو زالت سقط القصر.
ثم تحدث عن مظهر آخر من مظاهر العقلية العربية، لاحظه بعض المستشرقين ووافقهم هو عليه، هو: أن طبيعة العقل العربي لا تنظر إلى الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك. فالعربي لم ينظر إلى العالم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني، بل كان يطوف فيما حوله، فإذا رأى منظرًا خاصًا أعجبه تحرك له، وجاس صدره بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمة أو [1] فجر الإسلام "1/ 44 فما بعدها. [2] فجر الإسلام "1/ 46".
نام کتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام نویسنده : جواد علي جلد : 1 صفحه : 268