نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 112
والأمصار إذا نزلت بهم السّنون [1] وأخذتهم المجاعات يسرع إليهم الهلاك أكثر من غيرهم مثل برابرة المغرب وأهل مدينة فاس ومصر فيما يبلغنا لا مثل العرب أهل القفر والصّحراء ولا مثل أهل بلاد النّخل الّذين غالب عيشهم التّمر ولا مثل أهل إفريقية لهذا العهد الّذين غالب عيشهم الشّعير والزّيت وأهل الأندلس الّذين غالب عيشهم الذّرة والزّيت فإنّ هؤلاء وإن أخذتهم السّنون والمجاعات فلا تنال منهم ما تنال من أولئك ولا يكثر فيهم الهلاك بالجوع بل ولا يندر والسّبب في ذلك والله أعلم أنّ المنغمسين في الخصب المتعوّدين للأدم والسّمن خصوصا تكتسب من ذلك أمعاؤهم رطوبة فوق رطوبتها الأصليّة المزاجيّة حتّى تجاوز حدّها فإذا خولف بها العادة بقلّة الأقوات وفقدان الأدم واستعمال الخشن غير المألوف من الغذاء أسرع إلى المعى اليبس والانكماش وهو ضعيف في الغاية فيسرع إليه المرض ويهلك صاحبه دفعة لأنّه من المقاتل فالهالكون في المجاعات إنّما قتلهم الشّبع المعتاد السّابق لا الجوع الحادث اللّاحق. وأمّا المتعوّدون لقلّة الأدم [2] والسّمن فلا تزال رطوبتهم الأصليّة واقفة عند حدّها من غير زيادة وهي قابلة لجميع الأغذية الطّبيعيّة فلا يقع في معاهم بتبدّل الأغذية يبس ولا انحراف فيسلمون في الغالب من الهلاك الّذي يعرض لغيرهم بالخصب وكثرة الأدم في المآكل وأصل هذا كلّه أن تعلم أنّ الأغذية وائتلافها أو تركها إنّما هو بالعادة فمن عوّد نفسه غذاء ولاءمه تناوله كان له مألوفا وصار الخروج عنه والتّبدّل به داء ما لم يخرج عن غرض الغذاء بالجملة كالسّموم واليتّوع [3] وما أفرط في الانحراف فأمّا ما وجد فيه التّغذّي والملاءمة فيصير غذاء مألوفا بالعادة فإذا أخذ الإنسان نفسه باستعمال اللّبن والبقل عوضا عن الحنطة حتّى صار له ديدنا فقد حصل له ذلك [1] السنون: ج السّنة: الجدب والقحط (قاموس) . [2] في بعض النسخ: اما المتعودون للعيمة وترك الأدم والعيمة شهوة اللبن (قاموس) . [3] قال في القاموس اليتّوع كصبور أو تنور كل نبات له لبن دار مسهل محرق مقطع والمشهور منه سبعة الشيرم واللاعية والعرطنيثا والماهودانه والمازريون والفلجلشت والعشر وكل اليتوعات إذا استعملت في غير وجهها أهلكت.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 112