نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 439
التّقبيل حتّى يستوي قائما لئلّا يقع بعض طوافه داخل البيت وإذا كانت الجدران كلّها من بناء ابن الزّبير وهو إنّما بني على أساس إبراهيم فكيف يقع هذا الّذي قالوه ولا مخلص من هذا إلّا بأحد أمرين أحدهما أن يكون الحجّاج هدم جميعه وأعاده وقد نقل ذلك جماعة إلّا أنّ العيان في شواهد البناء بالتحام ما بين البناءين وتمييز أحد الشّقّين من أعلاه على الآخر في الصّناعة يردّ ذلك وإمّا أن يكون ابن الزّبير لم يردّ البيت على أساس إبراهيم مع جميع جهاته وإنّما فعل ذلك في الحجر فقط ليدخله فهي الآن مع كونها من بناء ابن الزّبير ليست على قواعد إبراهيم وهذا بعيد ولا محيص من هذين والله تعالى أعلم. ثمّ إنّ مساحة البيت وهو المسجد كان فضاء للطّائفين ولم يكن عليه جدر أيّام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأبي بكر من بعده. ثمّ كثر النّاس فاشترى عمر رضي الله عنه دورا هدمها وزادها في المسجد وأدار عليها جدارا دون القامة وفعل مثل ذلك عثمان ثمّ ابن الزّبير ثمّ الوليد بن عبد الملك وبناه بعمد الرّخام ثمّ زاد فيه المنصور وابنه المهديّ من بعده ووقفت الزّيادة واستقرّت على ذلك لعهدنا.
وتشريف الله لهذا البيت وعنايته به أكثر [1] من أن يحاط به وكفى بذلك أن جعله مهبطا للوحي والملائكة ومكانا للعبادة وفرض شرائع الحجّ ومناسكه وأوجب لحرمة من سائر نواحيه من حقوق التّعظيم والحقّ ما لم يوجبه لغيره فمنع كلّ من خالف دين الإسلام من دخول ذلك الحرم وأوجب على داخله أن يتجرّد من المخيط إلّا إزارا يستره وحمى العائذ به والرّاتع في مسارحه من مواقع الآفات فلا يرام فيه خائف ولا يصاد له وحش ولا يحتطب له شجر. وحدّ الحرم الّذي يختصّ بهذه الحرمة من طريق المدينة ثلاثة أميال إلى التّنعيم [2] ومن طريق العراق سبعة أميال إلى الثّنيّة من جبل المنقطع ومن طريق الطّائف سبعة أميال إلى بطن نمرة ومن طريق جدّة سبعة أميال إلى منقطع العشائر. هذا شأن مكّة [1] وفي النسخة الباريسية: أعظم. [2] التنعيم: مكان بمكة في الحل، وهو بين مكة وسرف على فرسخين من مكة وقيل أربعة. وبه مساجد حول مسجد عائشة وسقايا على طريق المدينة منه يحرم المكيون بالعمرة (معجم البلدان) .
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 439