نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 488
يكون يساره إلّا بمقدار ماله وعلى نسبة سعيه وهؤلاء هم أكثر التّجّار. ولهذا تجد أهل الجاه منهم يكونون أيسر بكثير. وممّا يشهد لذلك أنّا نجد كثيرا من الفقهاء وأهل الدّين والعبادة إذا اشتهروا حسن الظّنّ بهم واعتقد الجمهور معاملة الله في إرفادهم فأخلص النّاس في إعانتهم على أحوال دنياهم والاعتمال في مصالحهم وأسرعت إليهم الثّروة وأصبحوا مياسير من غير مال مقتنى إلّا ما يحصل لهم من قيم الأعمال الّتي وقعت المعونة بها من النّاس لهم. رأينا من ذلك أعدادا في الأمصار والمدن. وفي البدو يسعى لهم النّاس في الفلح والتّجر وكلّ هو قاعد بمنزله لا يبرح من مكانه فينمو ماله ويعظم كسبه ويتأثّل الغنيّ من غير سعي ويعجب من لا يفطن لهذا السّرّ في حال ثروته وأسباب غناه ويساره والله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب.
الفصل السادس في أن السعادة والكسب إنما يحصل غالبا لأهل الخضوع والتملق وان هذا الخلق من أسباب السعادة
قد سلف لنا فيما سبق أنّ الكسب الّذي يستفيده البشر إنّما هو قيم أعمالهم ولو قدّر أحد عطل [1] عن العمل جملة لكان فاقد الكسب بالكلّيّة. وعلى قدر عمله وشرفه بين الأعمال وحاجة النّاس إليه يكون قدر قيمته. وعلى نسبة ذلك نموّ كسبه أو نقصانه. وقد بيّنا آنفا أنّ الجاه يفيد المال لما يحصل لصاحبه من تقرّب النّاس إليه بأعمالهم وأموالهم في دفع المضارّ وجلب المنافع. وكان ما يتقرّبون به من عمل أو مال عوضا عمّا يحصلون عليه بسبب الجاه من الأغراض [2] في صالح أو طالح. وتصير تلك الأعمال في كسبه وقيمها أموال وثروة له فيستفيد الغنى واليسار لأقرب وقت. ثمّ إنّ الجاه متوزّع في النّاس ومترتّب فيهم طبقة بعد طبقة [1] وفي النسخة الباريسية: عاطل. [2] وفي النسخة الباريسية: من كثير الاعراض.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون جلد : 1 صفحه : 488