responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 55
حظوظ كثير من الحيوانات العجم من القدرة أكمل من حظّ الإنسان فقدرة الفرس مثلا أعظم بكثير من قدرة الإنسان وكذا قدرة الحمار والثّور وقدرة الأسد والفيل أضعاف من قدرته. ولمّا كان العدوان طبيعيّا في الحيوان جعل لكلّ واحد منها عضوا يختصّ بمدافعته ما يصل إليه من عادية غيره وجعل للإنسان عوضا من ذلك كلّه الفكر واليد فاليد مهيّئة للصّنائع بخدمة الفكر والصّنائع تحصّل له الآلات الّتي تنوب له عن الجوارح المعدّة في سائر الحيوانات للدّفاع مثل الرّماح الّتي تنوب عن القرون النّاطحة والسّيوف النّائبة عن المخالب الجارحة والتّراس [1] النّائبة عن البشرات الجاسية [2] إلى غير ذلك وغيره ممّا ذكره جالينوس في كتاب منافع الأعضاء فالواحد من البشر لا تقاوم قدرته قدرة واحد من الحيوانات العجم سيّما المفترسة فهو عاجز عن مدافعتها وحده بالجملة ولا تفي قدرته أيضا باستعمال الآلات المعدّة لها فلا بدّ في ذلك كلّه من التّعاون عليه بأبناء جنسه وما لم يكن هذا التّعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء ولا تتمّ حياته لما ركّبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السّلاح فيكون فريسة للحيوانات ويعاجله الهلاك عن مدى حياته ويبطل نوع البشر وإذا كان التّعاون حصل له القوت للغذاء والسّلاح للمدافعة وتمّت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه فإذن هذا الاجتماع ضروريّ للنّوع الإنسانيّ وإلّا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إيّاهم وهذا هو معنى العمران الّذي جعلناه موضوعا لهذا العلم وفي هذا الكلام نوع إثبات للموضوع في فنّه الّذي هو موضوع له وهذا وإن لم يكن واجبا على صاحب الفنّ لما تقرّر في الصّناعة المنطقيّة أنّه ليس على صاحب علم إثبات الموضوع في ذلك العلم فليس أيضا من الممنوعات عندهم فيكون إثباته من التّبرّعات والله الموفّق بفضله. ثمّ إنّ هذا الاجتماع إذا حصل للبشر كما قرّرناه وتمّ عمران العالم بهم فلا بدّ من وازع يدفع

[1] جمع ترس وهو ما يلبس على الجسم لاتقاء السهام والسيوف (قاموس) .
[2] القاسية والصلبة.
نام کتاب : تاريخ ابن خلدون نویسنده : ابن خلدون    جلد : 1  صفحه : 55
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست