قال مصعب بن الزبير: رأى عبد الملك في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات فسأل سعيد بن المسيب: فقال: يملك من ولده لصلبه أربعة، فكان آخرهم هشام.
وكان هشام حازمًا عاقلًا كان لا يدخل بيت ماله مالًا حتى يشهد أربعون قسامة، لقد أخذ من حقه، ولد أعطي لكل ذي حق حقه.
وقال الأصمعي: أسمع رجل مرة هشامًا كلامًا، فقال له: يا هذا، ليس لك أن تسمع خليفتك.
قال: وغضب مرة على رجل فقال: والله لقد هممت أن أضربك سوطًا.
وقال سحبل بن محمد: ما رأيت أحدًا من الخلفاء أكره إليه الدماء ولا أشد عليه من هشام.
وعن هشام أنه قال: ما بقي شيء من لذات الدنيا إلا وقد نلته إلا شيئًا واحدًا أخًا أرفع مؤنة التحفظ فيما بيني وبينه.
وقال الشافعي: لما بنى هشام الرصافة بقنسرين أحب ألا يخلو يومًا لا يأتيه في غم، فما انتصف النهار حتى أتته ريشة بدم من بعض الثغور، فأوصلت إليه، فقال: ولا يومًا واحدًا.
وقيل: إن هذا البيت له ولم يحفظ له سواه:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال
مات في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة.
وفي سنة سبع من أيامه فتحت قيصرية الروم بالسيف، وفي سنة ثمانٍ فتحت خنجرة على يد البطال الشجاع المشهور، وفي سنة اثنتي عشرة فتحت خرشنة في ناحية ملطية.
وممن مات في أيامه من الأعلام: سالم بن عبد الله بن عمر، وطاوس، وسليمان بن يسار، وعكرمة مولى ابن عباس، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وكثير عزة الشاعر، ومحمد بن كعب القرظي، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وأبو الطفيل عامر بن واثلة الصحابي آخرهم موتًا، وجرير، والفرزدق، وعطية العوفي، ومعاوية بن قوة، ومكحول، وعطاء بن أبي رباح، وأبو جعفر الباقر، ووهب بن منبه، وسكينة بنت الحسين، والأعرج، وقتادة، ونافع مولى ابن عمر، وابن عامر مقرئ الشام، وابن كثير مقرئ مكة، وثابت البناني، ومالك بن دينار، وابن محيصن المقرئ، وابن شهاب الزهري، وخلائق آخرون.
ومن أخبار هشام:
أخرج ابن عساكر عن إبراهيم بن أبي عبلة قال: أراد هشام بن عبد الملك أن يوليني خراج مصر، فأبيت، فغضب حتى اختلج وجهه، وكان في عينه الحول، فنظر إليّ نظر منكر، وقال: لتلين طائعًا، أو لتلين كارهًا، فأمسكت عن الكلام حتى سكن غضبه، فقلت: يا أمير المؤمنين، أتكلم؟ قال: نعم، قلت: إن الله قال في كتابه العزيز: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} الآية [الأحزاب: 72]