فقال: ما قال لي شيئًا، وسيركب فذكره، فركب مرة أخرى، فجعل يعرفه، ولا يرى موضعًا للكلام، فلما أراد أن يفارقه قال الرجل مبتدئًا، وهذه يا أمير المؤمنين دار عاتكة التي يقول فيها الأحوص:
يا بيت عاتكة الذي أتغزل ... حذر العدى وبك الفؤاد موكل
فأنكر المنصور ابتداءه، فأمرّ القصيدة على قلبه فإذا فيها:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فضحك وقال: ويلك يا ربيع أعطه ألف درهم.
وأسند الصولي عن إسحاق الموصلي قال: لم يكن المنصور يظهر لندمائه بشرب ولا غناء، بل يجلس وبينه وبين الندماء ستارة، وبينهم وبينها عشرون ذراعًا، وبينهما وبينه كذلك، وأول من ظهر للندماء من خلفاء بني العباس المهدي.
وأخرج الصولي عن يعقوب بن جعفر قال: قال المنصور لقثم بن العباس بن عبد الله بن العباس، وكان عامله على اليمامة والبحرين: ما القثم؟ ومن أي شيء أخذ؟ فقال: لا أدري، فقال: اسمك اسم هاشمي لا تعرفه؟ أنت والله جاهل، قال: فإن رأى أمير المؤمنين أن يفيدينه، قال: القثم الذي ينزل بعد الأكل ويقثم الأشياء يأخذها ويثلمها.
روي أن المنصور ألَحّ عليه ذباب، فطلب مقاتل بن سليمان، فسأله: لم خلق الله الذباب؟ قال: ليذل به الجبارين.
وقال محمد بن علي الخراساني: المنصور أول خليفة قرب المنجمين وعمل بأحكام النجوم، وأول خليفة ترجمت له الكتب السريانية والأعجمية بالعربية، ككتاب كليلة ودمنة، وإقليدس، وهو أول من استعمل مواليه على الأعمال وقدمهم على العرب، وكثر ذلك بعده حتى زالت رئاسة العرب وقيادتها، وهو أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس وولد علي، وكان قبل ذلك أمرهم واحدًا.
أحاديث من رواية المنصور: قال الصولي: كان المنصور أعلم الناس بالحديث والأنساب، مشهورًا بطلبه، قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي، حدثنا أبو محمد الجوهري، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن الشخير، حدثنا أحمد بن إسحاق أبو بكر الملحمي، حدثنا أبو عقيل أنس بن سلم الأنطرطوشي، حدثني محمد بن إبراهيم السلمي، عن المأمون، عن الرشيد، عن المهدي، عن المنصور، عن أبيه عن جده، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يتختّم في يمينه"[1].
وقال الصولي: حدثنا محمد بن زكريا اللؤلؤي، حدثنا جهم بن السباق الرياحي، حدثني بشر بن المفضل، سمعت الرشيد يقول: سمعت المهدي يقول: سمعت المنصور [1] أخرجه ابن عساكر في تاريخه "17402/6 كنز"، وأبو داود "4229/4"، والترمذي "1742/4".