جارية له أيامًا، وكان يحبها، فمضت الأيام ولم تسترضه، فقال:
صدّ عني إذ رآني مفتتن ... وأطال الصبر لما أن فطن
كان مملوكي وأصبح مالكي ... إن هذا من أعاجيب الزمن
ثم أحضر أبا العتاهية، فقال: أجزهما فقال:
عزّة الحب أرته ذلّتي ... في هواه، وله وجه حسن
فلهذا صرت مملوكًا له ... ولهذا شاع ما بي وعلن
وأخرج ابن عساكر عن ابن علية قال: أخذ هارون الرشيد زنديقًا، فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: لِمَ تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك، قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلها ما فيها حرف نطق به؟ قال: فأين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيخرجانها حرفًا حرفًا؟
وأخرج الصولي عن إسحاق الهاشمي قال: كنا عند الرشيد، فقال: بلغني أن العامة يظنون فِيّ بغض علي بن أبي طالب، والله ما أحب أحدًا حبي له، ولكن هؤلاء أشد الناس بغضًا لنا، وطعنًا علينا، وسعيًا في فساد ملكنا بعد أخذنا بثأرهم، ومساهمتنا إياهم ما حويناه، حتى إنهم لأميل إلى بني أمية منهم إلينا، فأما ولده لصلبه فهم سادة الأهل، والسابقون إلى الفضل، ولقد حدثني أبي المهدي عن أبيه المنصور عن محمد بن علي عن أبيه عن ابن عباس أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحسن والحسين: "من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني"، وسمعه يقول: "فاطمة سيدة نساء العالمين غير مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم" [1].
روى أن ابن السماك دخل على الرشيد يومًا، فاستسقى، فأتى بكوز، فلما أخذه قال: على رسلك يا أمير المؤمنين، لو منعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي، قال: اشرب هنأك الله تعالى، فلما شربها قال: أسألك لو منعت خروجها من بدنك، بماذا كنت تشتري خروجها؟ قال: بجميع ملكي، قال: إن ملكًا قيمته شربة ماء وبوله لجدير ألا ينافس فيه، فبكى هارون بكاء شديدًا.
وقال ابن الجوزي: قال الرشيد لشيبان: عظني، قال: لأن تصحب من يخوفك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى يدركك الخوف، فقال الرشيد: فسّر لي هذا، قال: من يقول لك: أنت مسئول عن الرعية فاتق الله أنصح لك ممن يقول: أنتم أهل بيت مغفور لكم، وأنتم قرابة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- فبكى الرشيد حتى رحمه من حوله.
وفي كتاب الأوراق للصولي بسنده: لما ولي الرشيد الخلافة واستوزر يحيى بن خالد قال إبراهيم الموصلي: [1] أخرجه الترمذي "3873/5". وقال: حسن غريب من هذا الوجه.