ولقبه ذا السندين: ولقب صاعدًا ذا الوزارتين، وأقام صاعد في خدمة المعتمد، ولكن ليس للمعتمد حل ولا ربط وقال المعتمد في ذلك:
أليس من العجائب أن مثلي ... يرى ما قل ممتنعًا عليه؟
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعًا ... وما من ذاك شيء في يديه
إليه تحمل الأموال طرًّا ... ويمنع بعض ما يجبى إليه
وهو أول خليفة قهر وحجر عليه ووكل به، ثم أدخل المعتمد واسط، ولما بلغ ابن طولون ذلك جمع الفقهاء، والقضاة، والأعيان، وقال: قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد، فخلعوه إلا القاضي بكار بن قتيبة فإنه قال: أنت أوردت علي من المعتمد كتابًا بولايته العهد فأورد علي كتابًا آخر منه بخلعه، فقال: إنه محجور عليه ومقهور، فقال: لا أدري، فقال ابن طولون: غرك الناس بقولهم: ما في الدنيا مثل بكار، أنت شيخ قد خرفت، وحبسه وقيده وأخذ منه جميع عطاياه من سنين، فكانت عشرة آلاف دينار، فقيل: إنها وجدت في بيت بكار بختمها، وبلغ الموفق ذلك، فأمر بلعن ابن طولون على المنابر.
ثم في شعبان من سنة سبعين أعيد المعتمد إلى سامرا ودخل بغداد، ومحمد بن طاهر بين يديه بالحربة والجيش في خدمته كأنه لم يحجر عليه ومات ابن طولون في هذه السنة، فولى الموفق ابنه العباس أعماله، وجهزه إلى مصر في جنود العراق، وكان خمارويه بن أحمد بن طولون أقام على ولايات أبيه بعده، فوقع بينه وبين أبي العباس بن الموفق وقعة عظيمة بحيث جرت الأرض من الدماء، وكان النصر للمصريين.
وفي هذه السنة انبثق ببغداد في نهر عيسى بثق، فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار.
وفيها نازلت الروم طرسوس في مائة ألف، فكانت النصرة للمسلمين، وغنموا ما لا يحصى، وكان فتحًا عظيمًا عديم المثل.
وفيها ظهرت دعوة المهدي عبيد الله بن عبيد جد بني عبيد خلفاء المصريين الروافض، في اليمن، وأقام على ذلك إلى سنة ثمانٍ وسبعين، فحج تلك السنة واجتمع بقبيلة من كتامة، فأعجبهم حاله، فصحبهم إلى مصر، ورأى منهم طاعة وقوة فصحبهم إلى المغرب، فكان ذلك أول شأن المهدي.
وفي سنة إحدى وسبعين، قال الصولي: ولي هارون بن إبراهيم الهاشمي الحسبة فأمر أهل بغداد أن يتعاملوا بالفلوس، فتعاملوا بها على كره ثم تركوها.
وفي سنة ثمانٍ وسبعين غار نيل مصر، فلم يبقَ منه شيء، وغلت الأسعار، وفيها مات الموفق، واستراح منه المعتمد.
وفيها ظهرت القرامطة[1] بالكوفة وهم نوع من الملاحدة يدعون أنه لا غسل من الجنابة، [1] القرامطة: كان ابتداء أمرهم قدوم رجل من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة، يظهر الزهد والتقشف ويخسف الخوص، ويأكل من كسبه، ويكثر الصلاة، فكان إذا قعد إليه إنسان ذاكره أمر الدين ==