مات في أيام المعتضد من الأعلام: ابن المواز المالكي، وابن أبي الدنيا، وإسماعيل القاضي، والحارث بن أبي أسامة، وأبو العيناء، والمبرد، وأبو سعيد الخراز شيخ الصوفية، والبحتري الشاعر، وخلائق آخرون.
وخلف المعتضد من الأولاد أربعة ذكور، ومن الإناث إحدى عشرة.
المكتفي بالله أبو محمد1
المكتفي بالله: أبو محمد علي بن المعتضد، ولد في غرة ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين، وأمه تركية اسمها جيجك، وكان يضرب بحسنها المثل حتى قال بعضهم:
قايست بين جمالها وفعالها ... فإذا الملاحة بالخيانة لا تفي
والله لا كلمتها، ولو أنها ... كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفي
وعهد إليه أبوه، فبويع في مرضه يوم الجمعة بعد العصر لإحدى عشرة بقيت من ربيع الآخر سنة تسع وثمانين.
قال الصولي: وليس من الخلفاء من اسمه علي إلا هو وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ولا من يكنى أبا محمد سوى الحسن بن علي، والهادي، والمكتفي.
ولما بويع له عند موت أبيه كان غائبًا بالرقة، فنهض بأعباء البيعة الوزير أبو الحسن القاسم بن عبيد الله، وكتب له فوافى بغداد في سابع جمادى الأولى، ومر بدجلة في سمارية وكان يومًا عظيمًا، وسقط أبو عمر القاضي من الزحمة في الجسر، وأخرج سالِمًا، ونزل المكتفي بدار الخلافة، وقالت الشعراء، وخلع على القاسم الوزير سبع خلع، وهدم المطامير التي اتخذها أبوه وصيرها مساجد، وأمر برد البساتين والحوانيت التي أخذها أبوه من الناس ليعملها قصرًا إلى أهلها، وسار سيرة جميلة، فأحبه الناس ودعوا له.
وفي هذه السنة زلزلت بغداد زلزلة عظيمة أيامًا، وفيها هبت ريح عظيمة بالبصرة قلعت عامة نخلها، ولم يسمع بمثل ذلك.
وفيها خرج يحيى بن زكرويه القرمطي، فاستمر القتال بينه وبين عسكر الخليفة إلى أن قتل في سنة تسعين، فقام عوضه أخوه الحسين، وأظهر شامة في وجهه وزعم أنها آيته، وجاء ابن عمه عيسى بن مهرويه، وزعم أن لقبه المدثر، وأنه المعني في السورة، ولقب غلامًا له: المطوق بالنور، وظهر على الشام، وعاث وأفسد، وتسمى بأمير المؤمنين المهدي، ودعي له على المنابر، ثم قتل الثلاثة في سنة إحدى وتسعين.
وفي هذه السنة فتحت أنطالية -باللام- من بلاد الروم عنوة، وغنم منها ما لا يحصى من الأموال.
وفي سنة اثنتين زادت دجلة زيادة لم ير مثلها حتى خربت بغداد، وبلغت الزيادة أحدًا وعشرين ذراعًا.
1 تولى الخلافة 28هـ، وحتى 295هـ.