وفي هذه السنة أمر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المغنين، ونفى المخانيث، وكسر آلات اللهو، وأمر ببيع المغنيات من الجواري على أنهن سواذج، وكان مع ذلك لا يصحو من السكر، ولا يفتر عن سماع الغناء.
وفي سنة اثنتين وعشرين ظهرت الديلم، وذلك لأن أصحاب مرداويج دخلوا أصبهان، وكان من قواده على بن بويه، فاقتطع مالًا جليلًا، فانفرد عن مخدومه، ثم التقى هو ومحمد بن ياقوت نائب الخليفة، فهزم محمد، واستولى ابن بويه على فارس، وكان بويه فقيرًا صعلوكًا يصيد السمك، رأى كأنه بال فخرج عن ذكره عمود نار، ثم تشعب العمود حتى ملأ الدنيا، فعبرت بأن أولاده يملكون الدنيا، ويبلغ سلطانهم على قدر ما احتوت عليه النار، فمضت السنون وآل الأمر على هذا إلى أن صار قائدًا لمرداويج بن زياد الديلمي، فأرسله يستخرج له مالًا من الكرخ، فاستخرج خمسمائة ألف درهم، وأتى همذان ليملكها، فغلق أهلها في وجهه الأبواب، فقاتلهم وفتحها عنوة، وقيل: صلحًا ثم سار إلى شيراز.
ثم إنه قل ما عنده من المال، فنام على ظهره، فخرجت حية من سقف المجلس، فأمر بنقضه، فخرجت صناديق ملأى ذهبًا، فأنفقها في جنده.
وطلب -خياطًا يخيط له شيئًا، وكان أطروشا- فظن أنه قد سعى به، فقال: والله ما عندي سوى اثني عشر صندوقًا، لا أعلم ما فيها، فأحضرت فوجدت فيها مالًا عظيمًا.
وركب يومًا، فساخت قوائم فرسه، فحفروه، فوجدوا فيها كنزًا، واستولى على البلاد وخرجت خراسان وفارس عن حكم الخلافة.
وفي هذه السنة قتل القاهر إسحاق بن إسماعيل النوبختي الذي كان قد أشار بخلافة القاهر، ألقاه على رأسه في بئر وطمت، وذنبه أنه زايد القاهر قبل الخلافة في جارية، واشتراها، فحقد عليه.
وفيها تحرك الجند عليه؛ لأن ابن مقلة في اختفائه كان يوحشهم منه، ويقول لهم: إنه بنى لكم المطامير ليحبسكم، وغير ذلك، فأجمعوا على الفتك به، فدخلوا عليه بالسيوف، فهرب، فأدركوه وقبضوا عليه في سادس جمادى الآخرة وبايعوا أبا العباس محمد بن المقتدر ولقبوه: الراضي بالله، ثم أرسلوا إلى القاهر الوزير والقضاة أبا الحسين بن القاضي أبي عمر، والحسن بن عبد الله بن أبي الشوارب، وأبا طالب بن البهلول، فجاءوه، فقيل له: ما تقول؟ قال: أنا أبو منصور محمد بن المعتضد، لي في أعناقهم بيعة وفي أعناق الناس، ولست أبرئكم، ولا أحللكم منها، فقوموا، فقاموا، فقال الوزير: يخلع ولا نفكر فيه، أفعاله مشهورة، وقال القاضي أبو الحسين: فدخلت على الراضي وأعدت عليه ما جرى، وأعملته أني أرى إمامته فرضًا، فقال: انصرف ودعني وإياه، فأشار سيماء مقدم الحجرية على الراضي بسمله، فكحله بمسمار محمي.
قال محمد الأصبهاني: كان سبب خلع القاهر سوء سيرته، وسفكه الدماء فامتنع من الخلع، فسملوا عينيه حتى سالتا على خديه.