وهزم اليزيدي، فعاد بالويل إلى واسط، فساق سيف الدولة إلى واسط، فانهزم اليزيدي إلى البصرة.
وفي سنة إحدى وثلاثين وصلت الروم إلى أرزن، وميافارقين، ونصيبين، فقتلوا سبوا، ثم طلبوا منديلًا في كنيسة الرها، يزعمون أن المسيح مسح به وجهه، فارتسمت صورته فيه على أنهم يطلقون جميع من سبوا، فأرسل إليهم وأطلقوا الأسرى.
وفيها هاج الأمراء بواسط على سيف الدولة، فهرب في البريد يريد بغداد، ثم سار إلى الموصل أخوه ناصر الدولة خائفًا لهرب أخيه، وسار من واسط تورون فقصد بغداد وقد هرب منه سيف الدولة إلى الموصل فدخل تورون بغداد في رمضان فخلع عليه المتقي، وولاه أمير الأمراء، ثم وقعت الوحشة بين المتقي، وتورون، فأرسل تورون أبا جعفر بن شيرزاد، من واسط إلى بغداد، فحكم عليها وأمر ونهى، فكاتب المتقي بن حمدان بالقدوم عليه، فقدم في جيش عظيم، واستتر ابن شيرزاد، فسار المتقي بأهله إلى تكريت، وخرج ناصر الدولة بجيش كثير من الأعراب والأكراد إلى قتال تورون، فالتقيا بعكبرا، فانهزم ابن حمدان والمتقي إلى الموصل، ثم تلاقوا مرة أخرى، فانهزم ابن حمدان والخليفة إلى نصيبين، فكتب الخليفة إلى الإخشيد صاحب مصر أن يحضر إليه، ثم بان له من بني حمدان الملل والضجر، فراسل الخليفة تورون في الصلح، فأجاب وبالغ في الإيمان، ثم حضر الإخشيد إلى المتقي وهو بالرقة وقد بلغه مصالحة تورون، فقال: يا أمير المؤمنين أنا عبدك وابن عبدك، وقد عرفت الأتراك وفجورهم وغدرهم، فالله الله في نفسك، سر معي إلى مصر فهي لك، وتأمن على نفسك، فلم يقبل، فرجع الإخشيد إلى بلاده، وخرج المتقي من الرقة إلى بغداد في رابع المحرم سنة ثلاث وثلاثين، وخرج للقائه تورون، فالتقيا بين الأنبار وهيت، فترجل تورون وقبّل الأرض، فأمره المتقي بالركوب، فلم يفعل، ومشى بين يديه إلى المخيم الذي ضربه له، فلما نزل قبض عليه وعلى ابن مقلة ومن معه، ثم كحل الخليفة وأدخل بغداد مسمول العينين، وقد أخذ منه الخاتم والبردة والقضيب، وأحضر تورون عبد الله بن المكتفي وبايعه بالخلافة، ولقب المستكفي بالله، ثم بايعه المتقي المسمول، وأشهد على نفسه بالخلع مع ذلك لعشر بقين من المحرم -وقيل: من صفر- ولما كحل قال القاهر:
صرت وإبراهيم شيخ عمى ... لابد للشيخين من مصدر
ما دام تورون له امرأة ... مطاعة فالميل في المجمر
ولم يحل الحول على تورون حتى مات، وأما المتقي فإنه أخرج إلى جزيرة مقابلة للسندية فسجن بها، فأقام بالسجن خمسًا وعشرين سنة إلى أن مات في شعبان سنة سبع وخمسين.
وفي أيام المتقي كان ابن حمدي اللص ضمنه ابن شيرزاد لما تغلب على بغداد اللصوصية بها بخمسة وعشرين ألف دينار في الشهر، فكان يكبس بيوت الناس بالمشعل والشمع، ويأخذ الأموال، وكان أسكورج الديلمي قد ولي شرطة بغداد، فأخذه ووسطه وذلك سنة اثنتين وثلاثين.
مات في أيام المتقي من الأعلام: أبو يعقوب النهرجوري أحد أصحاب الجنيد، والقاضي أبو عبد الله المحاملي، وأبو بكر الفرغاني الصوفي، والحافظ أبو العباس بن عقدة، وابن