على المهادنة إلى أن وصل بلاده تجار.
وكان خال خوارزم شاه ينوب على بلاد ما وراء النهر، ومعه عشرون ألف فارس، فشرهت نفسه إلى أموال التجار، وكاتب السلطان يقول: إن هؤلاء القوم قد جاءوا بزي التجار، وما قصدهم إلا التجسس، فإن أذنت لي فيهم، فأذن له بالاحتياط عليهم، فقبض عليهم وأخذ أموالهم، فوردت رسل جنكزخان إلى خوارزم شاه تقول: إنك أعطيت أمانك التجار فغدرت، والغدر قبيح، وهو من سلطان الإسلام أقبح، فإن زعمت أن الذي فعله خالك بغير أمرك فسلمه إلينا، وإلا سوف تشاهد مني ما تعرفني به، فحصل عند خوارزم شاه من الرعب ما خامر عقله، فتجلد، وأمر بقتل الرسل، فقتلوا.
فيا لها من حركة لما أهدرت من دماء المسلمين وأجرت بكل نقطة سيلًا من الدم.
ثم سار جنكزخان إليه، فانجفل خوارزم شاه عن جيحون إلى نيسابور، ثم ساق إلى برج همذان رعبًا من التتار، فأحدق به العدو، فقتلوا كل من معه، ونجا هو بنفسه، فخاض الماء إلى جزيرة، ولحقته علة ذات الجنب، فمات بها وحيدًا فريدًا، وكفن في شاش فراش كان معه، وذلك في سنة سبع عشرة، وملكوا جميع مملكة خوارزم شاه.
قال سبط ابن الجوزي: كان أول ظهور التتار بما وراء النهر سنة خمس عشرة، فأخذوا بخارى وسمرقند، وقتلوا أهلها، وحاصروا خوارزم شاه، ثم بعد ذلك عبروا النهر، وكان خوارزم شاه قد أباد الملوك من مدن خراسان فلم تجد التتار أحدًا في وجههم، فطاروا في البلاد قتلًا وسبيًا، وساقوا إلى أن وصلوا إلى همذان وقزوين في هذه السنة.
وقال ابن الأثير في كامله: حادثة التتار من الحوادث العظمى والمصائب الكبرى، التي عقمت الدهور عن مثلها عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم منذ خلقه الله تعالى إلى اليوم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لا تتضمن ما يقاربها.
ومن أعظم ما يذكرون فعل بختنصر ببني إسرائيل بالبيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من مدن الإسلام؟ وما بنوا إسرائيل بالنسبة إلى ما قتلوا؟ فهذه الحادثة التي استطار شرها، وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب، استدبرته الريح، فإن قومًا خرجوا من أطراف الصين، فقصدوا بلاد تركستان مثل كاشغر وبلاد شاغرق ثم منها إلى بخارى وسمرقند فيملكونها، ويبيدون أهلها، ثم تعبر طائفة منهم إلى خراسان، فيفرغون منها هلكًا وتخريبًا وقتلًا وإبادة، وإلى الري وهمذان إلى حد العراق، ثم يقصدون أذربيجان ونواحيها ويخربونها ويستبيحونها في أقل من سنة، أمر لم يسمع بمثله، ثم صاروا من أذربيجان إلى دربند شروان، فملكوا مدنها وعبروا من عندها إلى بلاد اللان، واللكز، فقتلوا وأسروا، ثم قصدوا بلاد قفجاق، وهم أكثر من الترك عددًا، فقتلوا من وقف وهرب الباقون، واستولى التتار عليها.
ومضت طائفة أخرى غير هؤلاء إلى غزنة وأعمالها، وسجستان، وكرمان، ففعلوا مثل هؤلاء، بل أشد.