خطبة المؤلف وفيها بيان الداعي إل تأليف الكتاب
...
خطبةالمؤلف وفيها بيان الداعي إلى تأليف الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد حمد الله الذي وعد فوفى، وأوعد فعفا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الشرفاء، ومسود الخلفاء، وعلى آله وصحبه أهل الكرم والوفاء؛ فهذا تاريخ لطيف ترجمت فيه الخلفاء أمراء المؤمنين القائمين بأمر الأمة، من عهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى عهدنا هذا، على ترتيب زمانهم الأول فالأول، وذكرت في ترجمة كل منهم ما وقع أيامه من الحوادث المستغربة، ومن كان في أيامه من أئمة الدين وأعلام الأمة.
منها: أن الإحاطة بتراجم أعيان الأمة مطلوبة، ولذوي المعارب محبوبة، وقد جمع جماعة تواريخ ذكروا فيها الأعيان مختلطين ولم يستوفوا، واستيفاء ذلك يوجب الطول والملال، فأردت أن أفرد كل طائفة في كتاب أقرب إلى الفائدة لمن يريد تلك الطائفة خاصة، وأسهل في التحصيل، فأفردت كتابًا في الأنبياء -صلوات الله عليهم وسلامه- وكتابًا في الصحابة ملخصًا من: الإصابة، لشيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر[1]، وكتابًا حافلاً في طبقات المفسرين، وكتابًا وجيزًا في طبقات الحفاظ لخصته من طبقات الذهبي[2]، وكتابًا جليلاً في طبقات النحاة واللغوين لم يؤلف قبله مثله، وكتابًا في طبقات الأصوليين، وكتابًا جليلاً في طبقات الأولياء، وكتابًا في طبقات الفرضيين، وكتابًا في طبقات البيانيين، وكتابًا في طبقات الكتَّاب -أعني أرباب الإنشاء- وكتابًا في طبقات أهل الخط المنسوب، وكتابًا في شعراء العرب الذين يحتج بكلامهم في العربية. وهذه تجمع غالب أعيان الأمة، واكتفيت في طبقات الفقهاء بما ألفه الناس في ذلك؛ لكثرته والاستغناء به، وكذلك اكتفيت في القراء بطبقات الذهبي، وأما القضاة فهم داخلون فيمن تقدم؛ ولم يبق من الأعيان غير الخلفاء مع تشوق النفوس إلى أخبارهم؛ فأفردت لهم هذا الكتاب، ولم أورد أحدًا مما ادَّعى الخلافة خروجًا ولم يتم له الأمر ككثير من العلويين وقليل من العباسيين.
ولم أورد أحدًا من الخلفاء العبيديين؛ لأن إمامتهم غير صحيحة، لأمور:
منها: أنهم غير قرشيين. وإنما سَمّتهم بالفاطميين جهَلة العوام، وإلا فجدهم مجوسي، [1] هو: شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري الشافعي، شيخ الإسلام وإمام الحفاظ في زمانه، وحافظ الديار المصرية، قاضي القضاة ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وعانى أولاً الأدب والشعر فبلغ فيه، ثم طلب الحديث من سنة أربع وتسعين وسبعمائة فسمع الكثير، وصنّف التصانيف التي عمّ النف بها كـ "شرح البخاري" و"تهذيب التهذيب" و "تقريب التهذيب" و"الإصابة في معرفة الصحابة". توفي في ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة. [2] هو: الإمام الحافظ المحدث، خاتمة الحفاظ، ومؤرخ الإسلام، وفرد الدهر شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني ثم الدمشقي المقرئ، ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وطلب الحديث وله ثماني عشرة سنة، فسمع الكثير ورحل وعنى بهذا الشأن إلى أن رسخت فيه قدمه وتعب فيه وخدمه. من مؤلفاته: "طبقات الحفاظ" و"مختصر تهذيب الكمال" و"المغني" وغيرها توفي الذهبي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة سنة ثمانٍ وأربعين وسبعمائة بدمشق وأضر قبل موته بيسير.