دينك، فمشى عمر فأتاهما وعندهما خباب، فلما سمع بحس عمر توارى بالبيت، فدخل، فقال: ما هذه الهينمة[1]؟ وكانوا يقرءون طه، قالا: ما عدا حديثًا تحدثناه بيننا، قال: فلعلكما قد صبأتما، فقال له ختنه: يا عمر إن كان الحق في غير دينك، فوثب عليه عمر، فوطأه وطأ شديدًا، فجاءت أخته، لتدفعه عن زوجها، فنفحها نفحة بيد، فدمي وجهها، فقالت، وهي غضبى: وإن كان الحق في غير دينك، إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، فقال عمر: أعطوني الكتاب الذي هو عندكم، فأقرأه، وكان عمر يقرأ الكتاب، فقالت أخته: إنك رجس، وإنه لا يمسه إلا المطهرون، فقم فاغتسل أو توضأ، فقام فتوضأ ثم أخذ الكتاب، فقرأ طه حتى انتهى إلى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] فقال عمر: دلوني على محمد، فلما سمع خباب قول عمر خرج، فقال: أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لك ليلة الخمس: "اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بعمرو بن هشام". وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أصل الدار التي في أصل الصفا، فانطلق عمر حتى أتى الدار، وعلى بابها حمزة وطلحة وناس، فقال حمزة: هذا عمر إن يرد الله به خيرًا يسلم، وإن يرد غير ذلك يكن قتله علينا هينًا، قال: والنبي -صلى الله عليه وسلم- داخل يوحى إليه، فخرج حتى أتى عمر، فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف، فقال: "ما أنت بمنته يا عمر حتى ينزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة"، فقال عمر: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبد الله ورسوله[2].
وأخرج البزار والطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الدلائل عن أسلم قال: قال لنا عمر: كنت أشد الناس على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبينا أنا في يوم حار بالهاجرة[3] في بعض طريق مكة إذ لقيني رجل فقال: عجبًا لك يابن الخطاب! إنك تزعم إنك وإنك، وقد دخل عليك الأمر في بيتك، قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت، فرجعت مغضبًا حتى قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: عمر، فتبادروا فاختفوا مني، وقد كانوا يقرءون صحيفة بين أيديهم، تركوها ونسوها، فقامت أختي تفتح الباب، فقلت: يا عدوة نفسها أصبأت؟ وضربتها بشيء كان في يدي على رأسها، فسال الدم وبكت، فقالت: يابن الخطاب! ما كنت فاعلًا فافعل، فقد صبأت، قال: ودخلت حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة، فقلت: ما هذا؟ ناولينيها، قالت: لست من أهلها إنك لا تطهر من الجنابة، وهذا كتاب لا يمسه إلا المطهرون، فما زلت بها حتى ناولتنيها، ففتحتها فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، فلما مررت باسم من أسماء الله تعالى ذعرت منه، فألقيت الصحيفة، ثم رجعت إلى نفسي فتناولتها فإذا فيها: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي [1] الهينمة: الكلام الخفي الذي لا يفهم والياء زائدة. النهاية "290/5". [2] أخرجه ابن سعد في الطبقات "233/2"، وأبو يعلى "3275/4"، والحاكم في المستدرك "83/3"، والبيهقي في الدلائل "219/2". [3] هي اشتداد الحر نصف النهار. النهاية "246/5".