نام کتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم نویسنده : محمد بيومى مهران جلد : 1 صفحه : 42
والشعر الجاهلي دون شك مصدر من مصادر تاريخ العرب قبل الإسلام، وقديمًا قالوا: "إن الشعر ديوان العرب" يعنون بذلك أنه سجلٌ سُجِلَتْ فيه أخلاقهم وعاداتهم ودياناتهم وعقليتهم، وإن شئت فقل إنهم سجلوا فيه أنفسهم، كما نستطيع أن نستدل به على شبه جزيرة العرب، وما فيها من بلاد وجبال ووديان وسهول ونبات وحيوان، فضلا عن عقيدة القوم في الجن وفي الأصنام وفي الخرافات[1].
وهكذا يروي ابن سيرين عن الفاروق عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وأرضاه- قوله: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه"[2] وقريب من هذا ما يروى عن "عكرمة" -تلميذ ابن عباس ومولاه- أنه ما سمع ابن عباس يفسر آية من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ، إلا ونزع فيها بيتًا من الشعر، وأنه كان يقول: إذا أعياكم تفسير آية من كتاب الله فاطلبوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، به حفظت الأنساب، وعرفت المآثر، ومنه تعلمت اللغة، وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وغريب حديث صحابته والتابعين[3].
ومن ثم فقد أصبحت كتب الأدب من المصادر المهمة في التاريخ العربي القديم، ففيها ثروة أدبية قيمة، قد لا نجد لها مثيلا في كتب التاريخ، وإن ما جاء بها عن ملوك الحيرة والغساسنة وكندة، أكثر مما جاء في كتب التاريخ، بل هو أحسن منه عرضًا وصفاءً، وأكثر منه دقة، ويدل عرضه بالأسلوب الأدبي المعروف على أنه مستمد من موارد عربية خالصة، لم يعكر صفوها شوائب من إسرائيليات ونصرانيات، فضلا عن أنه قد أخذ من أفواه شهود عيان، شهدوا ما تحدثوا عنه، بل نستطيع أن نذهب بعيدًا، فنقول أن كثيرًا من الأخبار ماتت لموت الشعر الذي قيل في مناسبتها، في أن حين أخبارًا خلقت خلقًا لأن ما قيل فيها من شعر كان سببًا في بقائها، ومن ثم فقد أصبح الشعر سببًا في تخليد الأخبار، لسهولة حفظه، ولاضطرار رواته إلى قص المناسبة التي قيل فيها[4]. [1] أحمد أمين: فجر الإسلام ص57. [2] محمد بن سلام الجحمي: طبقات فحول الشعراء، القاهرة1952 ص10. [3] جواد علي 1/ 67086، 8/ 663، المزهر في علوم اللغة 2/ 302، 407، الإتقان في علوم القرآن 2/ 55، شرح حماسة أبي تمام للتبريزي 1/ 3. [4] جواد علي 1/ 71، 73، دائرة المعارف الإسلامية، مادة تاريخ ص484، وانظر: سعد زغلول: المرجع السابق ص31.
نام کتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم نویسنده : محمد بيومى مهران جلد : 1 صفحه : 42