نام کتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم نویسنده : محمد بيومى مهران جلد : 1 صفحه : 550
إلا أننا رغم ذلك، نستطيع أن نستخلص من تلك الروايات المتضاربة أحيانا، والتي تمتلئ بالمبالغات أحيانا أخرى، حقيقة مهمة، وهي أن الحارث الكندي قد كتب له أن يجلس على عرش الحيرة حينا من الدهر، قد يكون في الفترة "525-528م" إبان فتنة المزدكية في إيران[1]، وربما كان الحارث قد اتصل من قبل بالفرس بعد عقد صلح بينهم وبين الروم في عام 506م، اعتقادا منه أن العمل في جانب الفرس، ربما كان أفضل له منه في جانب الروم، ثم زحفت بكر وتغلب بعد ذلك من مواطنها القديمة في اليمامة ونجد نحو العراق، وأن الفرس قد أقروه على ذلك، مقابل جعل يدفعه لهم كل عام، إلى جانب أهداف أخرى أرادوا من ورائها كسر شوكة اللخميين في الحيرة، وضم الحارث القوى إلى جانبهم، خوفا من أن ينحاز إلى جانب الروم -أعدائهم التقليديين- وقد أدى ذلك كله- إلى جانب الخلافات بسبب المزدكية، فضلا عن ضعف قباذ العاهل الفارسي- إلى أن تسوء العلاقات بين الفرس وأتباعهم اللخميين، واستغل الحارث الفرصة، حتى انتهى الأمر باستيلائه على عرش الحيرة نفسه[2].
وأما استنجاد الحارث الكندي بملوك اليمن، وانتصارات هؤلاء الملوك في أرض العراق وما وراءها، فليس ذلك إلا من نوع الإشادة بماضي القحطانيين -الذي يردهه الكتاب العرب في صفحات كتبهم دائما، دونما ملل -فهم- دون العدنانيين- أصحاب التاريخ التليد والمجيد كذلك، وهم أصل العروبة وأول الناطقين بلغتها، فضلا عن التركيز هنا بصورة ملفتة للنظر، من أن دولة كندة ما كانت بقادرة على تحقيق مجد، أو إحراز نصر، دون عون يأتيها من الجنوب، من اليمن.
هذا وقد اختلف المؤرخون في مقر الحكم الذي اختاره الحارث الكندي في العراق، فبينما يذهب فريق إلى أنه في الحيرة، عاصمته اللخميين، يرى آخرون أنه في "الأنبار" -وتقع على مبعدة أربعين ميلا إلى الشمال الغربي من بغداد -على أن فريقا ثالثا رأى أن الرجل إنما كان سيارة في أرض العرب[3]. [1] G. Olinder, Op. Cit., P.65 [2] جواد علي 3/ 337-342
وكذا G. Olinder, Op. Cit., P.65 وكذا Zdmg, 23, 1869, P.559 [3] ابن الأثير 1/ 512، الأغاني 8/ 62، ياقوت 1/ 257-258، البكري 1/ 197، جواد علي 3/ 342، حمزة الأصفهاني: المرجع السابق ص72، 93
وكذا P.K. Hitti, Op. Cit., P.85
وكذا G. Rothstein, Die Dynastie Der Lackmiden, In Al Aira, Berbin, 1899, P.88
نام کتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم نویسنده : محمد بيومى مهران جلد : 1 صفحه : 550