نام کتاب : دولة الإسلام في الأندلس نویسنده : عنان، محمد عبد الله جلد : 1 صفحه : 556
وخاطبه في الأمر، فأنكر هشام ذلك، وتبرأ من خصومة المنصور، ووافق على نقل المال، فنقل فوراً إلى الزاهرة، ولم يبق منه في خزائن القصر شىء، ولم تجد توسلات صبح، ولا وعيدها، وتطاولها على عبد الملك شيئاً، ويقال إن ما حمله المنصور يومئذ من المال بلغ عدة ملايين [1].
ولما أبل المنصور من مرضه بعد ذلك بقليل، سار إلى قصر قرطبة مع ابنه عبد الملك وسائر عظماء الدرلة، وانفرد بالخليفة في مجلسه، فاعترف له هشام بالفضل، وحمد اضطلاعه بشئون الدولة، وأقره على سياسته. ثم عمد المنصور إلى اتخاذ خطوة جريئة أخرى، فأخرج هشاماً من القصر، وأركبه في زي الخلافة في موكب عظيم، وركب إلى جانبه، وأمامه ولده عبد الملك، وسار الجيش أمام الموكب ومن خلفه، وتبع الموكب جموع عظيمة من طوائف الجند والفتيان الصقالبة. وشق هذا الموكب الخليفي شوارع قرطبة، بين جموع حاشدة مستبشرة من الشعب، وكان يوماً عظيماً مشهوداً، وكان آية الظفر للمنصور وسياسته [2].
وهكذا فشلت صبح في محاولتها، ولم يسفر ذلك الصراع المتأخر إلا عن توطيد سلطان المنصور، وسحق البقية الباقية من خصومه ومعارضيه. ولم تك صبح في الواقع أهلا لمقاومة ذلك الرجل القوي، خصوصاً بعد أن مكن له في كل شىء، ولم يبق للخليفة الأموي من السلطان سوى الاسم. ولما أيقنت صبح أن المقاومة عبث، وأنه لا منقذ لولدها من ذلك النير الحديدي، لجأت إلى السكينة والعزلة، فلا نسمع عنها بعد ذلك في سير الحوادث، ولا نعرف تاريخ وفاتها بالتحقيق، ولا نعرف إن كانت وفاتها قبل وفاة المنصور أو بعدها؛ وكل ما تقوله الرواية الإسلامية في ذلك، هو أن وفاتها كانت أيام ولدها هشام. والظاهر أنها توفيت بعد ذلك بقليل قبل وفاة المنصور، حوالي سنة 390 هـ (1000 م)، لأننا لا نعثر باسمها بعد ذلك في حوادث الأندلس. وقد نظم شاعر العصر أبو عمر محمد ابن دراج القسطلي، قصيدة موثرة يرثي فيها صبحاً " أم هشام المؤيد بالله "، ومما جاء فيها: [1] الذخيرة (عن ابن حيان) المجلد الرابع القسم الأول ص 52 - 54، ونفح الطيب ج 2 ص 95. [2] الذخيرة المجلد الرابع القسم الأول ص 54.
نام کتاب : دولة الإسلام في الأندلس نویسنده : عنان، محمد عبد الله جلد : 1 صفحه : 556