نام کتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 1 صفحه : 180
وفي تاريخ ابن كثير: ولما كان يوم الخميس رابع عشر رجب التقى الجمعان، وتواجه الخصمان عند طلوع الشمس، وعسكر التتار في مائة ألف فارس، وعسكر المسلمين على النصف من ذلك أو يزيد قليلا، والجمع فيما بين مشهد خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الرستن، فاقتتلوا قتالا عظيما، لم ير مثله من أعصار متطاولة، فاستظهر التتار أول النهار، فكسروا الميسرة، واضطربت الميمنة أيضا، وبالله المستعان، وانكسر جناح الفلب الأيسر.
وكان في ميمنة التتار من مقدميهم: ألناق بهادر وطنجو بهادر، وعايد، وبلطو، وينحي، وصمغار، وكان في ميسرتهم: قرمشي بن هندوغور، وبراجار، والبابا شمس الدين والد الأمير جنكلي، ودريبه، وتمدار، وملك الكرج تجاه ميمنة المسلمين، وكان في القلب منكوتمر بن هلاون ومعه تلاجي وقراتغيه بن يصمت، ججكاب بن جمغان، ومن الأمراء طلاطاي ونكباي وغيرهم.
وثبت السلطان الملك المنصور ثباتا عظيما جدا في جماعة قليلة، وقد انهزم كثير من عسكر المسلمين، والتتار في الآثار حتى وصلوا وراءهم إلى بحيرة حمص، ووصلوا إلى حمص، وهي مغلقة الأبواب، فقتلوا خلقا من العامةّ وغيرهم، وأشرف المسلمون على خطر عظيم، ثم إن أعيان الأمراء من الشجعان والفرسان تآمروا فيما بينهم، مثل سنقر الأشقر، وطيبرس الوزيري، وأمير سلاح، وأيتمش السعدي، وحسام الدين لاجين، وحسام الدين طرنطاي، والدواداريّ، وأمثالهم، لما رأوا ثبات السلطان ردّوا على التتار، وحملوا عليهم حملات صادقة متعددة ولم يزالوا يتابعون الحملة بعد الحملة حتى كسر الله بحوله وقوته التتار، وجرح منكوتمر، وجاءهم الأمير شرف الدين عيسى ابن مهنىّ أمير العرب من ناحيّة العرض، فصدم التيار، فاضطرب الجيش لصدمته، وتمت الهزيمة ولله الحمد، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة جدا ورجعت الطائفة من التتار الذين كانوا خلف من هزم من المسلمين، فوجدوا أصحابهم قد كسروا، والعساكر في آثارهم يقتلون ويأسرون، والسلطان ثابت في مكانه تحت السناجق، والكوسات تضرب وراءه، وما معه إلا من ألف فلرس فطمعوا فيه فقاتلوه، فثبت لهم ثباتا عظيما، فانهزموا من بين يديه، فلحقهم فقتل أكثرهم، فكان ذلك تمام النصر، وكان انهزام التتار قبل المغرب.
وقال بيبرس في تاريخه: جاءت ميسرة العدّو تجاه الميمنة الإسلامية، وقد تكردسوا فيها أطلابا، وترادفوا أحزاباً، وصدموا الميمنة الصدمة الأولى، فثبت العساكر للقتال وصبر المسلمون للنزال، والتقوا على التتار حتى ضاق بهم المجال فمالوا لذلك على ناحية جاليش القلب، فأشار السلطان إلينا بأن نردفه، فردفناه جميعا، وجعلنا بجمعنا مينعا، وقتلنا الذين قصدوه قتلا ذريعا، وبذلت فيهم السيوف، ودارت عليهم دائرة الحتوف، فانكسرت الميسرة كسرة تامّة، وأيقنا نحن بالنصرة العامة، وانتهت كسرة ميسرتهم إلى القلب الذي لهم، وبه منكوتمر ابن هلاون، فضعف قلب ذلك القلب، فانهزم طريدا وولى شريدا.
وأما الميسرة الإسلامية فإنها لما صادفها ميمنة التتار وصادمتها تزحزحت عن مواقفها ولم تثبت لنراكم كراديس التتار وترادفها، ولأنهم كانوا قد بالغوا في تقويتها، وأمنعوا في كثرتها، وساقوا وراء المسلمين حتى انتهوا إلى تحت حمص، ووقعوا في السوقية والعوام وألجأوهم إلى مكان متضايق الزحام، فأبادوا منهم خلقا كثيرا، ولم يعلم المسلمون بما تهيّا للميمنة المنصورة من النصرة، وما أصاب التتار من الكسرة، فاستقبل بعضهم الطريق، ووليّ وهو من سكر الهزيمة لا يفيق، ومنهم من أدّته الجفلة إلى دمشق، فلما دخلوا شاع بين أهلها كسرة العساكر الإسلامية، فتشوشت الخواطر، وقلق البادي بها والحاضر، ودخل بعض النهزمين الضعيفي القلوب إلى جسر يعقوب، ووصل بعضهم إلى غزة.
ولما رأى التتار أنهم قد هزموهم واستظهروا عليهم، نزلوا عن خيولهم في المرج الذي عند سد حمص منتظرين قدوم رفقتهم، معتقدين رنج صفقتهم، ولم يعلموا أنهم قد انكسروا وولوا وأدبروا، فلما طال بهم الانتظار أرسلوا من يكشف لهم الأخبار، فعاد الكشّافة إليهم وأخبروهم بما تمّ عليهم، فركبوا خيولهم وقد فقدوا عقولهم وعادوا راجعين، وبأصحابهم لاحقين.
نام کتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 1 صفحه : 180