نام کتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 1 صفحه : 429
وقال النويري: وجزر البحر باسكندرية، ثم رجع فأتلف أموالاً عظيمة للتجار، وغرق جماعة كثيرة، وانكشف البحر بساحل عكا، فظهر في قاعه شيء كثير مما ألقاه أهل عكا في مدة حصارها، فتبادر الناس لأخذه، فرجع البحر عليهم فغرّقهم عن آخرهم.
وقال صاحب النزهة: قد تقدم ذكر الاهتمام بعمل القلاع والتفاخر في زينتها، وكان ابتداء ذلك خامس رمضان وانتهاؤه في العشر الأخير، وتهتكت الخلائق على التفرج عليها، ولم يخشو الله تعالى، واستمروا على ذلك إلى أن استهل شوال، ومشى فيهم المنكر والأمور القبيحة، وصار لكل قلعة أهل يحمل إليها من المحرمات، ويتجاهرون بالمعاصي، وتهتكت بسبب ذلك مخدّرات النساء، وافتضح من كان يخشى الفضيحة من كل مستور، ولم يبق في المدينة من أكابر البيوت من الأمراء وغيرهم من الأعيان إلا من خرج من بيته مع غلمان أو خدام أو قهرمانات، وكان يرى ما يذهله ويروع به عقله، حتى كان يطرح الحشمة ويستحسن الفضيحة.
وطمس الله على قلوبهم، لقضائه السابق وأمره اللاحق، حتى أرسل الله عليهم زلزلة عظيمة يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة عند صلاة الصبح، فتزلزلت الأرض بأركانها، وسمعت للحيطان قعقعة ورعدة، وكذلك السقوف، ومالت الأرض بالماشي وأخرجته عن طريقه، وأرمت الراكب، وقيل للخلق إن السماء انطبقت على الأرض، فكان الماشي يهرب من الخوف إلى زقاق آخر فيجد فيه من الرعد والقعقعة أكثر مما هرب منه، وخرجت النساء مستبيّات حاسرات، فما قدرت من الخوف أن تأخذ شيئاً تستتر به، وكذلك البنات والأطفال، وخرجت الفقراء من المساجد والزوايا، وأسقطت كثير من النساء الحبالى حملها، وورد على البحر ريح بموج عاصف متلاطم، ففاض البحر فيضاً حتى طلع بالمراكب التي على ساحل البحر وحدفهم من البحر مع الريح مقدار رمية نشاب، ثم لما عاد الماء إلى حاله بقيت المراكب على اليبس، فتقطعت مراسها، وكذلك مراكب المسافرين اقتلعها الريح من وسط البحر إلى ساحل البر.
وقد ضرب كثير من الأمراء خياماً في الفضاء وأخرجوا حريمهم إليهم، وكذلك خرجت خلق كثير نحو بولاق والجزيرة والروضة وغير ذلك، وأصبحت المدينة إذا نظر إليها إنسان لا يجد فيها بيتاً صحيحاً، إما هدم منه حائط أو وقع منه جانب، أو اشتق بناؤه، وهمت الأزربة التي على البيوت، وبقيت الأتربة والطوب أكواماً أمام البيوت، وقنتوا في صبح الجمعة وفي ليلتها وفي سائر الجوامع والمساجد، وأقاموا ليلتهم ويومهم إلى حين صلاة الجمعة واقفين يبتهلون إلى الله تعالى ويتضرعون.
ثم جاءت الأخبار من إقليم الغربية أن بعض بلادها وهي تعرف بسخا هدم جميعه حتى لم يبق فيه حائط، فصار كوماً، وكذا جرى على قريتين أخريتين وكذا وقع بإقليم الشرقية.
ثم شرع الأمراء والسلطان في افتقاد الأعمال الضرورية التي لا بد منها ومن إصلاحها.
وقد أفلح الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة ما هدم من الجامع العمري بمصر، وأصرف عليه مالاً جزيلاً.
وتصدى الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير لعمارة جامع الحاكم بأمر الله، وقد كان هدم منه حائط كبير ووقعت مأذنته، ولما نزل إليه ومعه المهندسون والمباشرون قال لهم: اجعلوا بالكم في هدم ما يستحق الهدم، فإني سمعت أن في ركن من أركان هذه المأذنة ذهباً كثيراً ادخره الحاكم بأمر الله، وربما أحاط بحكمته أن يعرض على هذا الجامع عارض من أمر الله يكون ذلك الذهب برسمه وعمارته، فإنه كان رجلاً حكيماً، ثم إنه عمّره كما ينبغي وزاد فيه زيادة واسعة للمصلين، وجدّد المأذنة وعمر فيها زيادة، وأوقف عليه أوقافاً حسنة، ووضع فيه مدرساً، وحديثاً، وصدقة، ومؤذنين، وقراء، وفقهاء، ورتب لهم الرواتب والصدقات، وأوقف وقفاً يكفي ذلك كله، وعند هدم المأذنة وجدوا في ركن منها كفاً بزنده ملفوفاً في قطن، وعليه أسطر مكتوبة لم يعلم أحد ما هي، والكف طرية، وعجزوا عن قراءة الكتابة.
وتصدى الأمير سيف الدين سلار لعمارة الجامع الأزهر وإصلاحه، وإصلاح مأذنته، وإصلاح الواجهة التي وقعت، وجدّد فيه جميع أماكنه، وبلّطه وبيّضه، وأنفق عليه نفقات كثيرة، وكان للأمير شمس الدين سنقر الأعسر مشاركة له في الجامع الأزهر.
نام کتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 1 صفحه : 429