نام کتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 1 صفحه : 458
ومنها: أنه حضرت جماعة من الكارم من جهة اليمن في هذه السنة، وأخبروا أن الملك المؤيد صاحب اليمن تعرّض لهم، ولم يجزهم على عادتهم، وقال لهم: إن السلطان صغير، وقطع أيضاً الهدية التي كانت ملوك اليمن ترسلها إلى صاحب مصر، خارجاً عما كان مقرراً عليهم في كل سنة في الأيام الظاهرية، فإن الملك المظفر ولي اليمن نحو أربعين سنة، ولم يقطع ما كان عليه من المقرر وهو ستة آلاف دينار في كل سنة، كان يشتري بها أصناف المتجر، ويسيرها إلى قلعة الإسماعيلية فكانت ترصد هناك، وهذا كانت عادتهم من تقادم السنين مع هدية يختص بها السلطان، فلما ولي ولده الأشرف أياماً قليلة وخرج عليه هزبر الدين ملك اليمن قطع الجهتين، وتجاهر للتجار بصغر السلطان، ولما سمع الأمراء بذلك اقتضى رأيهم أن يسيّروا إليه رسولاً وكتاباً وينتظرون ما يجيء جوابه، فعينوا لذلك مقدماً من مقدمي الحلقة يقال له ناصر الدين الطوري، ومعه القاضي شمس الدين محمد بن عدلان، وكتبوا كتاباً، وأغلظوا عليه في الكلام، وهدّدوه وقالوا له: لا تحوج نفسك إلى مجيء عسكر إليك، فيكون دماء أهل اليمن في ذنبك.
وكتب الكتاب القاضي ناصر الدين بن عبد الظاهر، ومن محاسن كتابه: أنه غير خاف عليك ما كان والدك عليه وما صار إليه، وكان عندنا بالاستعفاء والجنوح إلى سبيل الوفاء، وسلك فيه من التلطف أبهج المسالك، واجتنب أن يوقع نفسه في المهالك، وحسم تلك المادة أن ترعى، وربما أوصى بها أصلاً وفرعاً، ووافاه الموت فقصم عروة عتابها، وفي حال بين المسألة وبين أعتابها وأفضت نوبة الملك إلينا فدانت لنا الرقاب وتباطت لنا الهضاب، وكاتبنا الملوك شرقاً وغرباً، ووصلت إلينا هداياهم، وكان اعتقادنا أنه أول ملك تصل إلينا كتبه، فكان أوحدهم عقوقاً وأوعرهم طريقاً، فكما علمت أن عدونا المقهور، وسلطاننا الناصر المنصور، وعلمت أمر التتار، وما لها من المنازلة في طول المدد، وقوة الجأش، واقتياتهم ما على الأرض من خشاش، فما لبث ملكهم أن سلّم جيشه وولّى، بعدما قال أنا ربكم الأعلى، وكانوا مائة ألف أو يزيدون، هذا وهم العدو الأكبر، والخصم الأقدر، فما ظنك بمن هو أضعف ناصراً، وأقلً عدداً، ممن قد ألف الوساد، وأوصل النوم، وجفى السهاد، وجعل دأبه فينةً، زاعماً بعدم الوصول إليه من بعد المسافة، وهي أقرب إلينا من حبل الوريد، ولا مانع عنه في اقتحام الأهوال، وما ذلك على جندنا ببعيد، والطريق التي استولى عليها الملك المسعود ابن مولانا السلطان الملك الكامل معروفة، ومسالكها مألوفة، ونحن نحمد الله ما ثارت إلينا سحابة إلا وجنت بحمد الله ثمراتها من حيث حلّت، ولا أتيحت سفينة إلا ألقت ما فيها وتخلّت، فيقف عند حدّه ويستدرك هزله بجدّة، فما بعد العتاب من ألم، ويقتفي سنن المهادنة، فمن أشبه أباه فما ظلم، ويقدّم ما في ذمته لبيت مال المسلمين من الحقوق، ويتجنب طريق العقوق، فمن النهج أن لا تكون عقوق.
وقرئت هذه النسخة على السلطان والأمراء، فطلبوا الطوري والقاضي شمس الدين وعرفوهما ما يقولانه، واتفق رأيهم أن يكتب الخليفة أيضاً إليه كتاباً وينهاه، فكتب من جهته كتاباً وأغلظ على الملك المؤيد فيه، وأمره ونهاه.
ومنها: أن قاضي القضاة المالكي بدمشق حكم بإراقة دم شمس الدين ابن الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الباجربقي بمقتضى ما ثبت عنده ما يوجب ذلك، فهرب المذكور واختفى، ثم حكم تقي الدين سليمان الحنبلي بحقن دمه بثبوت عداوة الشهود الشاهدين عليه، فأنكر المالكي عليه ذلك وأشهد على نفسه أنه باق على ما حكم به من إراقة دمه، فاستمر هروب الباجربقي لذلك.
نام کتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان نویسنده : العيني، بدر الدين جلد : 1 صفحه : 458