ومن كتبه التي قرئت عليه كذلك كتاب «مقاتل الطالبيين» .
وقد عنيت بنشره لقيمة موضوعه وجلال مؤلفه في نفسي وعظم مكانتها في الأدب العربي والتاريخ الإسلامي منذ كانا إلى يوم الناس هذا.
ولا يعرف التاريخ أسرة كأسرة أبي طالب بلغت الغاية من شرف الأرومة وطيب النجار، ضل عنها حقها وجاهدت في سبيل حق الجهاد على مرّ الأعصار ثم لم تظفر من جهادها المرير إلّا بالحسرات ولم تعقب من جهادها إلّا العبرات على ما فقدت من أبطال أسالوا نفوسهم في ساحة الوغى راضية قلوبهم مطمئنة ضمائرهم وصافحوا الموت في بسالة فائقة وتلقوه في صبر جميل يثير النفس أفانين الإعجاب والإكبار، ويشيّع فيها ألوان التقدير والإعظام.
وقد أسرف خصوم هذه الأسرة الطاهرة في محاربتها وأذاقوها ضروب النكال وصبّوا عليها صنوف العذاب ولم يرقبوا فيها إلّا ولاذمة ولم يرعوا لها حقا ولا حرمة، وأفرغوا بأسهم الشديد على النساء والأطفال والرجال جميعا في عنف لا يشوبه لين وقسوة لا تمازجها رحمة حتى غدت مصائب أهل البيت مضرب الأمثال في فظاعة النكال. وقد فجّرت هذه النسوة البالغة ينابيع الرحمة والمودة في قلوب الناس، وأشاعت الأسف الممض في ضمائرهم وملأت عليهم أقطار نفوسهم شجنا، وصارت مصارع هؤلاء الشهداء حديثا يروى وخبرا يتناقل وقصصا يقص يجد فيه الناس إرضاء عواطفهم وإرواء مشاعرهم فتطلّبوه وحرصوا عليه.
وقد استجاب الرواة والمؤلفون لنداء هذه الرغبة العارمة أو لطلب المثالة بين الناس فشرعوا يؤلفون أخبارهم ويسطرون فضائلهم ويدبجون سيرهم ويؤرخون مقاتلهم، ومن هؤلاء العلماء أبو مخنف المتوفى قبل سنة 170 هـ فقد ألّف مقتل علي «1» و «مقتل الحسين» «2» وألّف نصر بن مزاحم المنقري المتوفى سنة 212 هـ «مقتل الحسين» «3» .